تأثير المسلمون في الانتخابات الامريكية، في مشهد سياسي متوتر ومليء بالتنافس، برزت مرشحة حزب الخضر “جيل ستاين” كخيار في الانتخابات الأميركية
في مشهد سياسي متوتر ومليء بالتنافس، برزت مرشحة حزب الخضر “جيل ستاين” كخيار ثالث في الانتخابات الرئاسية الأميركية القادمة. وهو ما ألقى بظلاله على المرشحين التقليديين: نائبة الرئيس الديمقراطية كامالا هاريس والجمهوري دونالد ترامب. رغم أن استطلاعات الرأي تُظهر تقدماً واضحاً لهاريس على ترامب، إلا أن الدعم المتزايد من أصوات المسلمين لستاين يضيف بُعداً جديداً للمشهد السياسي.
ستاين، المعروفة بمواقفها العلنية المؤيدة للقضية الفلسطينية. أحدثت ضجة عندما أعلنت اختيارها لمسلم أميركي كمرشح لمنصب نائب الرئيس في حال فوزها. ورغم أن فرص ستاين بالفوز تبدو ضئيلة مقارنة بالحزبين الرئيسيين اللذين يسيطران تقليدياً على البيت الأبيض. إلا أن استطلاعات الرأي في ثلاث ولايات متأرجحة من أصل سبع، تُظهر تفوقها على هاريس وترامب. هذا التفوق ليس مجرد ظاهرة عابرة، بل يعكس تزايد تأثير المسلمين في الانتخابات.
انقسام في الخيارات
يعيش الناخبون المسلمون حالة من الانقسام حول كيفية التصويت. البعض يرى أن التصويت لصالح ستاين سيكون إهدارًا للأصوات، خاصة في ظل القوة التقليدية للحزبين الرئيسيين. في المقابل، يرى آخرون ضرورة معاقبة هاريس وترامب على مواقفهما المتخاذلة تجاه القضايا العربية والإسلامية، وعلى رأسها الحرب في غزة. حيث لعب المسلمون دورًا حاسمًا في إيصال الرئيس الحالي جو بايدن إلى البيت الأبيض. لكنهم شعروا بخيبة أمل تجاه عدم اكتراثه بقضاياهم.
وفقاً لمراسل الجزيرة، محمد البقالي، يرى المؤيدون للتصويت لصالح مرشحة ثالثة مثل ستاين، أن ذلك سيجعل أصوات المسلمين أكثر تأثيرًا في الانتخابات المقبلة. التصويت لهاريس باعتبارها الخيار “الأخف ضرراً”، كما يعتقد البعض، لن يشجع المرشحين المستقبليين على أخذ أصوات المسلمين بعين الاعتبار.
العدد الكلي للناخبين المسلمين يتجاوز المليون بقليل، لكنهم يتركزون في ولايات حاسمة تتمتع بأهمية كبرى في نظام المجمع الانتخابي. تُعد هذه الولايات المتأرجحة، مثل ميشيغان وويسكنسون وأريزونا، مناطق مفتاحية للسباق نحو البيت الأبيض. في هذه الولايات، تُظهر استطلاعات الرأي تقدمًا كبيرًا لستاين بين الناخبين المسلمين. في ميشيغان، حصلت على دعم 40% من أصوات المسلمين، متفوقة على ترامب وهاريس. وفي ويسكنسون، حصلت على 44%، بينما في أريزونا نالت 35%.
المستشار السياسي في الحزب الديمقراطي، كريس لابيتينا، علق على هذه الأرقام مشيراً إلى أن أصوات المسلمين ليست كبيرة من حيث العدد، لكنها تحمل أهمية استراتيجية كبيرة. خاصة في ولايات يتقارب فيها المرشحون بشكل كبير.
بهذا التصاعد في دعم ستاين، يتضح أن المسلمين قد يشكلون عاملًا حاسمًا في توجيه دفة الانتخابات. ليس فقط في هذه الدورة، ولكن أيضاً في المستقبل.
هذه الديناميكية في الانتخابات تظهر كيف يمكن للناخبين أن يلعبوا دورًا مؤثرًا يتجاوز حجمهم العددي. ففي ظل التركيز المتزايد على القضايا الفلسطينية والإسلامية. قد يجد المسلمون أنفسهم أمام فرصة لتشكيل مسار الانتخابات الرئاسية بشكل يتماشى مع قيمهم ومصالحهم.
السعي للتأثير رغم العدد القليل
المسلمون في الولايات المتحدة، الذين يتمتعون بقدرة تصويتية ملحوظة في ولايات حاسمة، يقدمون نموذجًا مهمًا لكيفية تأثير المجتمعات التي قد تبدو أقلية على السياسة الوطنية. إن دعمهم لمرشحة غير تقليدية مثل جيل ستاين ليس مجرد تعبير عن الاستياء من الوضع الحالي. بل هو أيضاً محاولة لإعادة توجيه السياسة الأمريكية نحو قضايا أكثر تمثيلاً لمصالحهم.
مع اقتراب موعد الانتخابات، سيتعين على الأحزاب التقليدية أن تأخذ بعين الاعتبار التحولات في الأصوات والاتجاهات التي يعبر عنها الناخبون المسلمون. سيكون من الضروري للمرشحين الرئيسيين إعادة تقييم سياساتهم وتوجهاتهم نحو قضايا مثل حقوق الفلسطينيين واهتمامات المسلمين بشكل عام.
إن الدعم المتزايد لستاين يعكس أيضاً تطوراً في الوعي السياسي بين المسلمين، الذين يسعون ليس فقط للضغط على المرشحين للالتزام بمواقف أكثر عدلاً. بل أيضًا لإثبات قدرتهم على التأثير في الانتخابات من خلال اختيارهم لمرشح يمثل قيمهم ومبادئهم.
النتائج النهائية للانتخابات المقبلة قد تعكس بشكل كبير مدى تأثير التصويت المستقل والمتنوع. وكيفية تعامل المرشحين مع القضايا التي تهم الناخبين المسلمين. ستكون هذه الانتخابات فرصة لتحديد ما إذا كان يمكن للأصوات الأقلية أن تؤدي إلى تغييرات ملموسة في السياسة الأميركية. أو ما إذا كانت ستظل هامشية في ظل الهيمنة التقليدية للأحزاب الكبرى.
في الختام، فإن الانتخابات الرئاسية الأميركية القادمة تعد اختبارًا حقيقيًا لقوة تأثير الناخبين المسلمين وقدرتهم على تشكيل السياسة. إن دعمهم لمرشحة ثالثة مثل جيل ستاين يظهر كيف يمكن للمجتمعات الممثلة بأعداد أقل أن تتحدى الهيمنة التقليدية وتساهم في إحداث تغييرات سياسية هامة.
المصدر: الجزيرة نت
