تحت شعار “معركة الاستقلال الثانية”، شنّت إسرائيل حربها على غزة، وهي تعيش هاجس الفشل المحتمل. وفقاً للدكتور محسن صالح، مدير مركز الزيتونة للدراسات
منذ انطلاق معركة “طوفان الأقصى” التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر/تشرين الأول، وإسرائيل تخوض حرباً ضارية ضد قطاع غزة. بدا واضحاً أن إسرائيل تواجه مأزقاً متعدد الجبهات. ورغم عدوانها المستمر، لا تبدو مستعدة لتقديم أي تنازلات قد توقف هذا التصعيد. بل إن الحديث يتصاعد عن احتمالات فتح جبهة أخرى ضد حزب الله في لبنان. السؤال هنا: هل يعكس التصميم الظاهري لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وأعضاء حكومته حقيقة الموقف المعقد الذي تعيشه إسرائيل على أكثر من جبهة؟
غزة.. الثقب الأسود الذي يلتهم الاحتلال
تحت شعار “معركة الاستقلال الثانية”، شنّت إسرائيل حربها على غزة، وهي تعيش هاجس الفشل المحتمل. وفقاً للدكتور محسن صالح، مدير مركز الزيتونة للدراسات. فإن إسرائيل تعيش رعباً من تكرار هزيمة قد تؤدي إلى نتائج كارثية على مستوى وجودها، ولكن المقاومة الفلسطينية، وخصوصاً حركة حماس، قلبت المعادلة.
معهد راند للدراسات أشار إلى أن إسرائيل كانت تسعى لتطبيق سياسة الردع “الكافي” دون الإفراط، ولكن التطورات الميدانية منذ “طوفان الأقصى” فاجأت الجميع. فجيش الاحتلال يتكبد خسائر متواصلة، ما دفع قادة إسرائيليين سابقين مثل “غادي آيزنكوت” للاعتراف بأن النصر الكامل على “حماس” غير واقعي. هذا الاعتراف يفتح الباب أمام تساؤلات حول قدرة إسرائيل على تحقيق أهدافها الاستراتيجية في الأمد القريب.
في الوقت نفسه، يزداد القلق داخل الجيش الإسرائيلي من تحول غزة إلى “ثقب أسود”، حيث تتزايد خسائره الميدانية والعسكرية بشكل يومي. كما أن الخلافات بدأت تظهر بين نتنياهو وقيادات الجيش بشأن مستقبل الحرب. وسط اعترافات علنية بأن القضاء على حركة حماس فكرة غير قابلة للتحقيق بشكل كامل.
الضفة الغربية.. مارد تحت الرماد
رغم المحاولات الإسرائيلية لإخماد أي تمرد في الضفة الغربية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول عبر سياسة “جز العشب”، إلا أن المقاومة هناك مستمرة بالتطور. وعلى الرغم من الهدوء النسبي، فإن المقاومة في الضفة، مثل نابلس وجنين وطولكرم وقلقيلية، تتخذ أشكالاً متطورة، وقدرة الفصائل على تنفيذ هجمات معقدة ومؤثرة بدأت تزداد.
المحللون الإسرائيليون باتوا يشيرون إلى أن العمليات التي تحدث في الضفة لم تعد فردية، بل منظمة وتهدد بنقل المعركة إلى جبهة جديدة تستنزف الاحتلال. هذا التطور المستمر يضيف مزيداً من الضغط على قوات الاحتلال التي تواجه بالفعل أزمة كبيرة في غزة.
لبنان.. الجبهة التي تشتعل بهدوء
على الجبهة الشمالية، دخل حزب الله معادلة الصراع، واضعاً إسرائيل أمام مأزق جديد. حزب الله يواصل توجيه ضربات مؤلمة للشمال الإسرائيلي، ما أجبر عشرات الآلاف من المستوطنين على الفرار. ورغم أن الطرفين يحاولان تجنب حرب شاملة، فإن احتمال اندلاعها يظل قائماً.
المحللون الإسرائيليون يرون أن إسرائيل فقدت القدرة على الردع مع حزب الله، وأصبحت مدن الشمال “تحت رحمة” هذا التنظيم. وفي ظل هذه المعطيات، تبدو إسرائيل غير قادرة على إدارة حرب متعددة الجبهات بفعالية، ما ينعكس على معنويات جيشها وجمهورها.
التصدعات الداخلية.. خطر أكبر
إلى جانب المأزق العسكري، تواجه إسرائيل أيضاً أزمة داخلية عميقة. الانقسامات الاجتماعية والسياسية تتعمق مع استمرار الحرب. هناك طبقة متطرفة متزايدة النفوذ داخل إسرائيل، تسعى لتحويل الدولة إلى كيان ديني يسيطر على كامل فلسطين التاريخية. هذه الطبقة، التي دعمت نتنياهو في الانتخابات الأخيرة، تسعى لفرض أجندتها على الساحة السياسية والعسكرية.
مع تصاعد الحرب، يخشى الكثيرون أن تؤدي نتائجها إلى توسيع هذه الانقسامات، مما يضعف قدرة إسرائيل على الحفاظ على وحدتها الداخلية. وبدلاً من أن تكون نهاية الحرب نهاية للأزمة، قد تكون هي الشرارة التي تزيد من تعمق هذه الخلافات وتسرع من تفكك المجتمع الإسرائيلي.
الخلاصة
إسرائيل اليوم تجد نفسها أمام مأزق متعدد الأبعاد: غزة التي تحولت إلى “ثقب أسود”. والضفة الغربية التي تشهد تصاعداً للمقاومة، وحزب الله الذي يضعها في مواجهة محتملة على جبهة جديدة. هذا كله يضاف إلى الانقسامات الداخلية التي تهدد بتفكيك نسيج المجتمع الإسرائيلي. وفي ظل غياب استراتيجية واضحة، تواجه إسرائيل تحديات قد تعيد تشكيل وضعها الإقليمي والداخلي بشكل غير مسبوق.
المصدر: قناة الجزيرة