شهدت الأسواق العالمية في مجال التكنولوجيا تراجعًا ملحوظًا، حيث انخفضت أسهم شركة Nvidia بنسبة بلغت حوالي 17%، في واحدة من أكبر خسائرها اليومية منذ مارس 2020. جاء هذا الانهيار عقب إعلان شركة صينية ناشئة تُدعى DeepSeek عن تطوير نموذج ذكاء اصطناعي مفتوح المصدر بتكلفة منخفضة جدًا مقارنة بالمبالغ الطائلة التي تستثمرها الشركات الغربية. لذلك، أثارت هذه التطورات قلقًا واسعًا بشأن قدرة الولايات المتحدة على الحفاظ على ريادتها في هذا القطاع الحيوي.
إطلاق نموذج الذكاء الاصطناعي DeepSeek بتكلفة منخفضة
أعلنت DeepSeek عن إطلاق نموذج كبير مفتوح المصدر في أواخر ديسمبر الماضي. وفقًا لتقارير الشركة، تم تطوير النموذج في غضون شهرين فقط وبتكلفة لم تتجاوز 6 ملايين دولار. هذا الرقم يُعد ضئيلًا مقارنة بالمبالغ الضخمة التي تخصصها الشركات الغربية مثل OpenAI لتطوير نماذجها. المثير للاهتمام أن نموذج DeepSeek الجديد أثبت كفاءته في اختبارات متعددة، حيث تفوق في العديد منها على أحدث تقنيات OpenAI، مما جعل الابتكار الصيني محط أنظار الصناعة العالمية.
تُعد هذه الخطوة دليلاً على قدرة الشركات الصينية على تقديم حلول متقدمة بتكلفة أقل. وبالتالي، تعيد هذه التطورات تشكيل المنافسة العالمية في الذكاء الاصطناعي. ورغم محدودية الموارد مقارنة بالشركات الأميركية، استطاعت DeepSeek تحقيق نتائج ملفتة أثارت اهتمام المحللين وحتى المنافسين في السوق.
هبوط كبير في أسهم شركات التكنولوجيا الأميركية
وفقاً لموقع CNBC، فقد كان لإعلان DeepSeek تأثير كبير على أسواق التكنولوجيا الأميركية. فقد شهدت Nvidia، الرائدة في تصنيع المعالجات الرسومية، انخفاضًا حادًا في أسهمها. هذا التراجع أثّر على شركات كبرى أخرى في السوق. كما ان شركات مثل Micron وArm Holdings سجلت انخفاضات تراوحت بين 10% و11%. Broadcom وAMD شهدتا تراجعات بنسبة 17% و6% على التوالي. التأثير لم يقتصر على الشركات التقنية فقط. فقد امتدت الخسائر إلى شركات الطاقة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي. حيث أن Constellation Energy وVistra تراجعت أسهمهما بأكثر من 20%.
تأثير عالمي على الأسواق والأسهم
لم يقتصر تأثير إعلان DeepSeek على الأسواق الأميركية فقط، بل انتقلت موجة التراجع إلى الأسواق الأوروبية والآسيوية. في أوروبا، انخفضت أسهم شركات تصنيع الرقائق مثل ASML وASM International بشكل ملحوظ. أما في آسيا، فقد تراجعت أسهم شركات التكنولوجيا اليابانية مثل Advantest وTokyo Electron، مما يعكس التأثير العالمي لهذا الحدث.
مخاوف بشأن ريادة الولايات المتحدة في الذكاء الاصطناعي
يثير إطلاق DeepSeek تساؤلات حول مدى استمرار الولايات المتحدة في قيادة مجال الذكاء الاصطناعي. وفقًا للمحللين، فإن القدرة على الوصول إلى الشرائح المتقدمة مثل وحدات معالجة الرسومات (GPUs) تمثل عاملًا رئيسيًا في هذه المنافسة. وتعد Nvidia الشركة الرائدة عالميًا في هذا المجال، مما يمنح الشركات الأميركية ميزة تنافسية. ومع ذلك، فإن قدرة DeepSeek على تقديم نموذج عالي الكفاءة بتكلفة منخفضة يعيد تشكيل الحوار حول الحاجة إلى استثمارات أكثر ذكاءً وأقل تكلفة.
تحليل الخبراء لمستقبل الذكاء الاصطناعي
رغم الضجة الكبيرة حول إعلان DeepSeek، شكك بعض المحللين في التكلفة المنخفضة المعلنة لتطوير النموذج. وقد أشاروا إلى احتمال استبعاد تكاليف البحث والتطوير السابقة. ومع ذلك، أقرّ الخبراء بجودة النماذج التي طورتها الشركة، مشددين على أنها ليست “معجزات” ولكنها بالتأكيد تُظهر تقدمًا كبيرًا في هذا المجال.
في المقابل، يرى محللون أن هذه التطورات قد تدفع الشركات الأميركية الكبرى مثل Amazon وMicrosoft إلى تسريع استثماراتها في تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي وتوسيع بنيتها التحتية. خاصة مع الإعلان عن مشروع Stargate AI بقيمة 500 مليار دولار، الذي يعكس الحاجة المتزايدة إلى الشرائح المتقدمة.
في النهاية، فإن إطلاق DeepSeek نموذجها الجديد يعد إنجازًا تقنيًا يعكس تحولًا كبيرًا في ديناميكيات سوق الذكاء الاصطناعي. في الوقت الذي تواجه فيه الشركات الأميركية تحديات متزايدة من المنافسة الصينية، يبقى الابتكار والاستثمار في التقنيات المتقدمة هو السبيل الوحيد للحفاظ على الريادة. ومع استمرار هذا السباق، ستظل المنافسة بين الشرق والغرب عاملًا حاسمًا في تحديد مستقبل الذكاء الاصطناعي.