تخيل أن تلتقي بروبوت لا يكتفي بالمشي والكلام، بل يظهر مشاعر حقيقية كالحماسة، الخجل، أو الود. هذا ليس مشهدًا من فيلم خيال علمي، بل مشروع واقعي من تطوير Disney Research، الذراع الابتكارية لشركة والت ديزني.
الروبوت الجديد يتمتع بقدرة مذهلة على تقليد السلوكيات البشرية والتفاعل العاطفي في الزمن الحقيقي، ما يجعله أقرب ما يكون إلى شخصية واقعية نابضة بالحياة.
كيف يتعلم الروبوت التعبير عن المشاعر؟
في البداية، يتم التحكم في الروبوت عن بعد بواسطة مشغل بشري يستخدم الإيماءات وردود الأفعال الطبيعية لتوجيه سلوكياته. فمثلًا، إذا اقترب أحدهم بخجل، يتجاوب الروبوت بنفس الطريقة. ثم يتم تسجيل هذه التفاعلات وتحليلها بواسطة نظام ذكاء اصطناعي، ليصبح الروبوت قادرًا لاحقًا على التفاعل بشكل مستقل مع البشر.
ما يميز هذا النموذج هو قدرته على عكس العواطف البشرية بدقة، مثل مشاعر الحماسة أو الخجل، مما يجعله أكثر واقعية في التفاعل. كما أنه يستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل وتكرار السلوكيات الدقيقة التي تصدر عن البشر، ما يمنحه طابعًا شخصيًا فريدًا. ومع مرور الوقت، يتطور الروبوت تدريجيًا ليصبح أكثر استقلالية، حيث يتفاعل مع الأشخاص بشكل طبيعي دون الحاجة إلى تدخل مباشر.
تقنيات ذكاء اصطناعي متقدمة خلف الكواليس
يعتمد هذا الروبوت على نظام ذكاء اصطناعي متطور قادر على التمييز بين نوعين من السلوك. من جهة، يتعرف على الحركات المستمرة مثل التلويح باليد أو إمالة الرأس بطريقة طبيعية. ومن جهة أخرى، يستجيب لـ الأوامر المنفصلة مثل إلقاء التحية أو التفاعل اللفظي المباشر. في البداية، تم اختبار هذا النموذج في بيئات افتراضية لمحاكاة التفاعل البشري. بعد ذلك، جرى تقييمه في مواقف حقيقية مع أشخاص عاديين. واللافت أن النتائج أظهرت قدرة الروبوت على إظهار “مزاج” يمكن تمييزه بوضوح، وكأنه يمتلك طابعًا شخصيًا خاصًا.
“نيوتن”: محرك فيزيائي لتدريب الروبوتات بدقة
وراء هذه الابتكارات يقف محرك فيزيائي مفتوح المصدر يُعرف باسم Newton، طورته ديزني بالتعاون مع انفيديا (NVIDIA) وGoogle DeepMind. يهدف هذا المحرك إلى سد الفجوة بين المحاكاة والواقع، ما يسمح بتدريب الروبوتات على مهام معقدة في بيئة افتراضية واقعية للغاية.
أبرز مميزات نيوتن (Newton):
من أبرز مميزات محرك نيوتن (Newton) أنه يقدم فيزياء قابلة للتفاضل، مما يسمح للروبوتات بتحسين حركاتها بدقة قبل تنفيذها فعليًا. بالإضافة إلى ذلك، يتمتع النظام بقدرة عالية على التفاعل مع مجموعة واسعة من الأجسام، مثل القماش والطعام، مما يوسع من إمكانيات الاستخدام في بيئات متنوعة. والأهم من ذلك، أنه يستفيد من تقنية Warp من NVIDIA لتسريع المعالجة الرسومية عبر وحدات GPU، وهو ما يجعل عملية التدريب أسرع بحوالي 100 مرة مقارنة بالطرق التقليدية.

روبوتات ديزني القادمة: شخصيات تروي القصص
تسعى ديزني إلى تطوير جيل جديد من الروبوتات التي لا تكتفي بالأداء، بل تروي القصص وتتفاعل عاطفيًا. النموذج الأبرز هو الروبوت BDX المستوحى من شخصيات Star Wars، والذي عرض مؤخرًا في مؤتمر NVIDIA GTC.
يقول كايل لافلين، نائب الرئيس في Disney Imagineering:
“نعمل على تطوير جيل جديد من الروبوتات التي يمكنها التعبير والتفاعل مع زوار ديزني بشكل لم يسبق له مثيل.”
مستقبل الروبوتات البشرية: تكنولوجيا بروح إنسانية
يشير الخبراء إلى أن العالم قد يشهد انتشار مليارات الروبوتات البشرية بحلول عام 2050، ومع هذه الابتكارات، يبدو أن المستقبل يقترب بوتيرة أسرع مما نتصور. في المرة القادمة التي تزور فيها أحد منتزهات ديزني، لا تستغرب إن صادفت روبوتًا يلقي عليك التحية بابتسامة صادقة، وكأنه يعرفك منذ زمن.
في الختام، يعد الروبوت البشري الذي طورته ديزني خطوة ثورية نحو مستقبل تتقاطع فيه التكنولوجيا مع المشاعر الإنسانية. فمن خلال دمج الذكاء الاصطناعي مع التعلم السلوكي والمحاكاة الواقعية، نجحت ديزني في ابتكار شخصية آلية قادرة على التفاعل والتواصل بطرق لم تكن ممكنة من قبل. ومع التقدم المستمر في هذا المجال، يبدو أننا على أعتاب عصر جديد تصبح فيه الروبوتات رفقاء حقيقيين يشاركوننا اللحظات، ويفهمون مشاعرنا، بل وربما يصنعون معنا ذكريات لا تُنسى.