في مشهد يكتنفه الدخان والخراب، تدخل الحرب السودانية عامها الثالث، حاملة في طيّاتها مزيجًا من المآسي والدماء والتشريد، في واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في التاريخ الحديث. فمنذ اندلاعها في 15 أبريل/نيسان 2023، بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، تغيّرت خارطة السيطرة مرارًا، وتبدلت معها مصائر الملايين.
قوات الدعم السريع اجتاحت غرب البلاد ووسطها، فيما اضطر الجيش إلى التراجع شرقًا، ناقلاً الحكومة إلى بورتسودان. لكن مع نهاية 2024، عاد الجيش للهجوم من الشرق، مستعيدًا وسط السودان، قبل أن يعلن البرهان في مارس الماضي أن الخرطوم “خالية” من خصومه. ومع ذلك، تصاعدت المعارك غربًا، لا سيما في دارفور، حيث تسعى قوات الدعم السريع للسيطرة الكاملة على الفاشر، آخر معاقل الجيش هناك.
الخسائر البشرية صادمة. ففي العاصمة وحدها، سقط أكثر من 61 ألف قتيل خلال 14 شهرًا فقط، بينهم 26 ألفًا قضوا بالعنف المباشر، حسب كلية لندن للصحة. وتشير تقديرات إلى أن العدد الإجمالي قد يصل إلى 150 ألفًا، وسط اتهامات متبادلة بين الطرفين بارتكاب انتهاكات ضد المدنيين، من قتل ونهب وعرقلة وصول الإغاثة.
الوجه الإنساني للحرب أشد قسوة: أكثر من 13 مليون نازح، و8 ملايين على حافة المجاعة، وقرابة نصف السكان – نحو 25 مليون شخص – يعانون من الجوع الحاد. أما القطاع الصحي، فلم يسلم من الانهيار، حيث خرجت 90% من مستشفيات مناطق النزاع عن الخدمة، وسُجلت عشرات الهجمات على المرافق والعاملين الصحيين.
في بلد يتآكله الدمار من الداخل، وتغيب فيه أية ملامح لحل سياسي، تبدو الحرب السودانية جرحًا مفتوحًا، لا يتوقف نزيفه.
المصدر: وكالات