في مشهد صادم لم يشهده المسجد الأقصى منذ احتلال القدس عام 1967، اجتاحت ساحاته موجات غير مسبوقة من الاقتحامات نفذها أكثر من سبعة آلاف مستوطن خلال خمسة أيام متواصلة، ضمن استعراض فج للقوة وفرض أمر واقع جديد يهدد قدسية الحرم الشريف وهويته الإسلامية. هؤلاء المستوطنون لم يكتفوا بالدخول، بل مارسوا شعائر تلمودية جماعية، رقصوا وغنّوا داخل المسجد، في انتهاك فج لكل الأعراف الدينية والاتفاقات الدولية.
بالتزامن، ظهر وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، وهو يتنقل بحرية كاملة داخل الحرم الإبراهيمي في الخليل، متحدياً مشاعر الملايين من المسلمين، ومكرّساً مشهداً من الاستعلاء الصهيوني على المقدسات الإسلامية دون رادع.
المفارقة الكبرى أن ما كان يشعل المنطقة بأكملها في الماضي، كما حدث عام 2000 حين فجّر اقتحام أرئيل شارون للأقصى انتفاضة عارمة، بات اليوم يمر بصمت خانق من “المحيط إلى الخليج”. فلم يعد الدم الفلسطيني المسفوك، ولا مشاهد التهجير القسري في الضفة الغربية، كافية لتحريك غضب الشارع أو دفع الزعماء لاتخاذ مواقف حاسمة.
تقرير الصحفية فاطمة التريكي يسلط الضوء على ما تصفه بـ”المخطط التوراتي”، الذي يسعى لطمس هوية المسجد الأقصى وإحلال رواية الهيكل المزعوم مكانه، في إطار مشروع صهيوني يتسارع بينما تعيش السلطة الفلسطينية حالة شلل سياسي، ويقف الأردن عاجزاً عن الدفاع عن وصايته التاريخية.
أما منظمة التعاون الإسلامي، التي نشأت على إثر حريق الأقصى، والجامعة العربية، فتبدوان اليوم كجثتين سياسيتين، لا تملكان سوى بيانات الإدانة. في المقابل، تبقى غزة وحدها في مواجهة هذا المد، ساحة للمقاومة والدم، ومرآة لحقيقة الانقسام العربي والإسلامي المرير.
المصدر: وكالات