في تصعيد جديد يعكس حيوية المقاومة الفلسطينية رغم الحصار والدمار، شنت كتائب القسام خلال الأيام الأخيرة سلسلة من العمليات النوعية في قطاع غزة، أعادت تشكيل المشهد الميداني وخلطت أوراق الاحتلال الإسرائيلي. فقد نفّذت المقاومة كمائن دقيقة في مناطق مثل بيت حانون وحي التفاح وخان يونس، استخدمت خلالها الأنفاق والأسلحة المضادة للدروع، ما أسفر عن خسائر مباشرة في صفوف قوات الاحتلال، وكشف عن جاهزية عالية وتكتيكات متطورة.
يرى اللواء فايز الدويري أن هذه الهجمات، التي نُفذت في مناطق تسيطر عليها إسرائيل، تحمل دلالات عسكرية واضحة، أبرزها استمرار فعالية الأنفاق رغم القصف المتواصل، وقدرة المقاتلين على التسلل والانسحاب دون كشفهم. ويشير إلى أن هذه الكمائن ليست وليدة الصدفة، بل ثمرة إعادة تموضع ذكي استغل ثغرات في تكتيك الجيش بعد تولي إيال زمير رئاسة الأركان، وتركّزه على القصف الجوي.
سياسياً، يقول المحلل وسام عفيفة إن المقاومة تهدف من خلال هذه العمليات إلى كسر سردية “انتهاء حماس”، وإعادة فرض نفسها لاعباً أساسياً في معادلة التفاوض، لا سيما مع طرحها مبادرة تتضمن وقف الحرب وصفقة تبادل شاملة. أما على الساحة الإسرائيلية، فقد أدى هذا التصعيد إلى تفاقم التوتر الداخلي، وسط تضارب التصريحات العسكرية والسياسية، وتزايد الانتقادات لقيادة نتنياهو.
كما أكد الدكتور مهند مصطفى أن الضربات المؤلمة، مثل عملية بيت حانون، أثّرت في الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وسط اتهامات متزايدة “بشخصنة الحرب” من قبل نتنياهو. ومع تزايد التململ في صفوف الأمن والجيش، وتراجع الثقة في إمكانيات الحسم، يبدو أن المقاومة تراهن على حرب استنزاف ذكية، تجمع بين الضربات النوعية وتجنب التصعيد الواسع، في ظل انسداد أفق التسوية العسكرية وتحوّل الحرب إلى مأزق سياسي داخلي لإسرائيل.
وفي هذا السياق، تُظهر المقاومة فهماً عميقاً لتحولات ساحة الصراع، إذ توظّف تكتيكات مرنة تراعي التوازن بين الضغط الميداني والتأثير السياسي، ما يمنحها هامشاً واسعاً للمناورة رغم التفوق العسكري الإسرائيلي. فالهجمات الأخيرة لم تكن مجرد رد فعل، بل رسائل محسوبة تعكس استعداداً لاستنزاف طويل الأمد، يستهدف ليس فقط الجنود في الميدان، بل يضرب الثقة داخل المؤسسة الإسرائيلية ويهزّ سردية النصر التي تحاول تل أبيب تسويقها، ما يضع الحكومة الإسرائيلية أمام مأزق استراتيجي يتعمق مع كل عملية نوعية تُفشل حساباتها الميدانية والسياسية.
المصدر: الجزيرة نت