في ظل التسارع التكنولوجي، تزداد التساؤلات حول مستقبل الوظائف في عصر الروبوتات، خاصة مع دخول شركات عملاقة مثل أمازون إلى سباق الأتمتة بقوة. وبينما تختلف رؤى كبرى شركات التكنولوجيا، يبدو أن البعض يرى أن الروبوتات ستستحوذ على معظم الوظائف، في حين يرى آخرون أنها ستتولى المهام الشاقة والمتكررة، تاركة للبشر أدوارًا جديدة وأكثر تخصصًا. وتشير تقارير المنتدى الاقتصادي العالمي إلى أن هذه التحولات قد تؤدي إلى استبدال ٩٢ مليون وظيفة، لكنها في المقابل ستخلق نحو ١٧٠ مليون وظيفة جديدة، مما يعكس حجم التغير العميق الذي يشهده سوق العمل العالمي.
مستقبل عمال المخازن: هل ما زال لهم دور؟
بالنسبة لأولئك الذين لا يملكون مؤهلات عالية أو خلفيات تقنية، وتحديدًا العاملين في وظائف يدوية مثل موظفي المستودعات، يبقى السؤال مطروحًا: ما هو مصيرهم في عالم تسيطر عليه الآلات؟
هنا قدمت أمازون لمحة مثيرة يوم الأربعاء، عندما أعلنت عن تقدم كبير في استبدال عمال المستودعات بالروبوتات، من خلال الكشف عن روبوت جديد يُدعى “فولكان” يمكنه “الإحساس”.
فولكان: الروبوت الذي يشعر ويساعد البشر
أوضحت الشركة أن الروبوت فولكان مصمم لجعل بيئة العمل أكثر أمانًا، من خلال تنفيذ المهام التي تتطلب حركات جسدية صعبة أو مكررة. وكتب الرئيس التنفيذي لشركة أمازون، آندي جاسي، عبر منصة X:
“فولكان يساعد في تنفيذ المهام الصعبة من الناحية الميكانيكية، ويوفر في الوقت ذاته فرصًا للعاملين لتعلم مهارات صيانة الروبوتات.”
تعاون بين البشر والروبوتات… ولكن بشروط
في مدونة رسمية، أوضحت أمازون أن روبوت فولكان صُمم ليعمل جنبًا إلى جنب مع الموظفين داخل المستودعات. حيث سيتولى الروبوت جمع العناصر من الرفوف المرتفعة والمنخفضة، وهو ما يقلل من الحاجة لتسلق السلالم أو الانحناء المتكرر. في المقابل، سيقتصر دور العاملين البشريين على جمع العناصر الموجودة في الرفوف المتوسطة أو تلك التي لا يزال فولكان غير قادر على التعامل معها. وبهذا، تهدف أمازون إلى تحقيق توازن بين الكفاءة الآلية والتدخل البشري عند الحاجة.
لكن الشركة لم تكتفِ بهذا الإعلان فقط. بل مضت خطوة إضافية، إذ كشفت عن برامج تدريب مهني تستهدف العاملين في المخازن. وتهدف هذه البرامج إلى تأهيل بعضهم للتحول إلى “فنيي روبوتات”، بما يسمح لهم بتولي مهام تقنية متقدمة. ومن خلال ذلك، تحاول أمازون تمهيد الطريق أمام انتقال تدريجي من الوظائف اليدوية إلى أدوار تعتمد على المهارات التكنولوجية.
هل ستعوض الروبوتات كل الوظائف البشرية؟
رغم هذه الخطوات، من غير المرجح أن يكون هناك استبدال مباشر بنسبة ١:١ بين العمال والروبوتات. فعدد الفنيين اللازمين لتشغيل الروبوتات أقل بكثير من عدد العاملين الحاليين. كما أن ليس كل العاملين لديهم الرغبة أو القدرة على تعلم صيانة الأنظمة الآلية.
لكن إدراج أمازون لمعلومة التدريب المهني في سياق إعلانها عن روبوت فولكان يحمل دلالة مهمة. فهي من بين أولى الشركات التي تقدم رؤية عملية، وإن كانت محدودة، لكيفية دمج البشر في بيئة عمل يشغلها الذكاء الآلي.
هل نعيش في مستقبل بلا وظائف بشرية؟
حتى هذه اللحظة، لا توجد مؤشرات قوية تؤكد أن الروبوتات ستستولي على جميع الوظائف. بل على العكس، يرى بعض الخبراء أن التحول قد يؤدي إلى ظهور أدوار جديدة كليًا. على سبيل المثال، قد يحل “مراقبو التشغيل الآلي” محل موظفي التجزئة التقليديين، تمامًا كما نشاهد الآن موظفًا واحدًا يشرف على صف كامل من آلات الدفع الذاتي. وبالمثل، قد يتولى العمال مستقبلاً مهمة الإشراف على روبوتات الطهي في مطاعم الوجبات السريعة، بدلاً من أداء مهام الطهي بأنفسهم.
وفي المقابل، قد يظل هذا المستقبل الكامل المؤتمت بعيد المنال. فقد تبقى الروبوتات حكرًا على الشركات الكبرى ذات الميزانيات الضخمة مثل أمازون. بينما يستمر البشر في أداء معظم الوظائف في القطاعات الصغيرة مثل التجزئة والمطاعم وخدمات النقل لعقود مقبلة.
دروس من تجارب أمازون السابقة
تجدر الإشارة إلى أن تجربة أمازون في ترويج تقنية “Amazon Go”، التي تسمح للعملاء بمغادرة المتجر دون المرور بمرحلة الدفع التقليدية، لم تحظَ بقبول واسع في قطاع التجزئة. فعلى الرغم من الترويج لها كحل مبتكر، إلا أن الشركات المنافسة لم تبدِ حماسًا لاعتمادها.
والأهم من ذلك، اتضح لاحقًا أن هذه التقنية كانت تعتمد جزئيًا على موظفين بشريين في الهند لمراقبة وتحليل مقاطع الفيديو. هذا الاكتشاف، بدوره، يسلط الضوء على فجوة حقيقية في قدرة الأنظمة المؤتمتة على العمل بشكل مستقل تمامًا. وبالتالي، رغم الترويج لفكرة الأتمتة الكاملة، فإن الواقع يظهر أنها لا تزال بعيدة عن التحقيق الكامل، حتى لدى شركات عملاقة تمتلك موارد ضخمة مثل أمازون.
في النهاية، يظهر أن تجربة أمازون تمثل نموذجًا واقعيًا لما قد يبدو عليه مستقبل الوظائف في عصر الروبوتات. فبدلًا من القضاء التام على الوظائف، تتجه الشركات نحو إعادة تعريفها، من خلال إدماج البشر في أدوار إشرافية وتقنية جديدة. وبينما لا يزال الطريق طويلًا أمام أتمتة كاملة، تبقى مرونة التعلّم وإعادة التأهيل مفتاح البقاء في سوق عمل سريع التغيّر، تقوده التكنولوجيا وتحدده قدرات الروبوتات والبشر معًا.