في تحقيق موسع، فتحت مجلة نيويوركر ملفّاً حساساً حول الحالة النفسية والمعنوية لجنود الاحتياط الإسرائيليين الذين شاركوا في العمليات العسكرية على قطاع غزة. وعلى الرغم من أن هؤلاء يشكلون نحو 70% من قوام الجيش، فإن المؤشرات تشير إلى تآكل غير مسبوق في حماسهم ودوافعهم للقتال.
شهادات ميدانية تعكس التحوّل في الموقف
“نير”، جندي احتياط مؤيد لليمين، روى كيف تسابق الكثيرون في البداية للالتحاق بالجبهة، حتى من لم يخدموا منذ عقد. لكن مع طول أمد الحرب، بات المشهد مختلفاً. فقد تراجع حضور جنود وحدته إلى أقل من 50%. كما أنه بدأ يشارك عائلات المحتجزين قناعتهم بأن الضغط العسكري لا يجلب الحرية، بل يفاقم الخطر. قال نير بمرارة: “لم يعد لديّ سبب للخدمة سوى التضامن مع زملائي، وأشعر بالخجل من حكومتي”.
رفض علني للخدمة العسكرية
أما الجندي “إران تمير”، فقد ذهب أبعد، إذ رفض الاستدعاء الأخير. ووجه رسالة حادة إلى الحكومة اعتبر فيها أن “أهداف الحرب كاذبة، وأن رفض المشاركة في حرب غير أخلاقية هو خيار مشروع”.
من جهة أخرى، تمير، الذي خدم في أربع جولات قتال خلال 18 شهراً، قرر أن يعبّر عن موقفه بشكل علني. فقد كتب رسالة مؤثرة نشرها عبر موقع “والا” الإسرائيلي. أكد فيها أن الشعارات المتداولة حول تحرير الرهائن أو هزيمة حماس ما هي إلا “خداع”. وعبّر تمير عن صراع داخلي حاد، مشيرًا إلى أنه لم يعد قادرًا على تبرير مشاركته في ما وصفه بأنه “أدنى نقطة أخلاقية” وصلت إليها الدولة. وأوضح بمرارة أنه لن يستطيع أن يغفر لنفسه إذا استمر في خدمة حرب لم يعد يؤمن بها.
أرقام تؤكد حالة التراجع
تعكس أرقام المجندين المتراجعة حجم التحول العميق في الموقف. فعلى الرغم من استدعاء نحو 300 ألف جندي خلال التعبئة الأولى بعد هجوم 7 أكتوبر، فإن الشكوك بشأن جدوى الحرب بدأت تتسلل تدريجيًا إلى نفوس الجنود. ومع مرور الوقت، لم يعد هذا الشعور حكرًا على الجنود الجدد، بل امتد أيضًا إلى من يمتلكون خبرة طويلة في القتال. ومن الأمثلة البارزة على ذلك، أوري عراد، الأسير السابق في حرب 1973، الذي عبّر عن خيبته العميقة من تخلي إسرائيل عن المحتجزين. وقد رأى أن ما يحدث اليوم لا يمثل فقط إخفاقًا سياسيًا، بل يعكس أيضًا فقدانًا لما وصفه بـ”روح البلاد”.
ويضيف تقرير المجلة أن الخدمة العسكرية، الإلزامية للرجال والنساء، كانت تُعد جزءاً من الهوية الثقافية الإسرائيلية، إذ يخدم جنود الاحتياط عادة 54 يوماً على مدار 3 سنوات. إلا أن هذا الإيمان بدأ يتلاشى، وبدأ بعض الجنود يرون أن الامتناع عن الخدمة أصبح وسيلة لحماية البلاد، لا العكس.
القيادة العسكرية تُقرّ بالأزمة
في المقابل، وبينما يواصل رئيس الأركان إيال زامير التحذير من نقص خطير في القوى البشرية، تتزايد مؤشرات التراجع في التأييد الشعبي لاستمرار الحرب. إذ تكشف استطلاعات الرأي أن 35% فقط من الإسرائيليين يدعمون مواصلة العمليات العسكرية. في المقابل، يرى أكثر من نصف المستطلعين أن الحرب لم تعد مدفوعة بأهداف أمنية، بل تخدم بالدرجة الأولى مصالح سياسية لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، مما يعكس تصدعًا متزايدًا في الثقة بين القيادة والمجتمع.
أزمة ثقة عميقة في الداخل الإسرائيلي
في النهاية، يبدو أن الحرب لم تنهك فقط الجسد الإسرائيلي، بل أضعفت إيمانه بذاته وبقضاياه، وتركت ندوباً عميقة في صورة “الجيش الذي لا يُهزم.