في خطوة مفاجئة حملت أبعادًا استراتيجية عميقة، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال زيارته إلى السعودية في 13 مايو 2025 رفع جميع العقوبات المفروضة على سوريا. هذا الإعلان لم يكن مجرد قرار تقني، بل تحول تاريخي في السياسة الأميركية تجاه دمشق، وجاء ثمرة جهود دبلوماسية قادتها السعودية وقطر وتركيا، في وقت تتبدّل فيه خرائط النفوذ الإقليمي والدولي.
انتعاش اقتصادي فوري وتحولات استثمارية
يفتح القرار الباب أمام تداعيات اقتصادية فورية. فقد استعادت الليرة السورية 16% من قيمتها خلال ساعات قليلة. وفي الوقت نفسه، بدأت مؤشرات إيجابية تظهر في سوق الاستثمار. كما توقعت تقارير اقتصادية عودة رؤوس الأموال الأجنبية إلى قطاعات حيوية، مثل الطاقة والإعمار والنقل. بالإضافة إلى ذلك، وصف الباحث الاقتصادي عبدالعظيم مغربل القرار بأنه “أوكسجين يُضخّ في جسد الاقتصاد المتعب”. وأوضح أن هذه الخطوة قد تساهم في خلق فرص عمل جديدة وتحسين مستوى المعيشة للمواطنين.
انعكاسات على الاستقرار السياسي والاجتماعي
لكن التأثير لا يقتصر على الجانب الاقتصادي فقط، بل يمتد أيضًا إلى المشهد السياسي والاجتماعي. إذ يرى محللون أن هذه الخطوة قد تمهد لإعادة رسم ملامح الاستقرار الداخلي في سوريا. ومن جهة أخرى، فإن توفر إمكانات جديدة قد يمكن السلطة المركزية من تعزيز وجودها في المناطق الخارجة عن سيطرتها. كما أن تقديم حلول اقتصادية ملموسة قد يسهم في تقوية الشعور بالانتماء والثقة بين المواطنين، مما يفتح بدوره الطريق أمام مصالحة مجتمعية فعلية، ولو تدريجية، بعد سنوات من الانقسام والصراع.
دهشة داخل الإدارة الأميركية
نسبت وكالة رويترز إلى مسؤولين أميركيين قولهم إن إعلان ترامب فاجأ بعض الأعضاء في إدارته، حيث لم تُصدر أي توجيهات رسمية مسبقة لمسؤولي العقوبات في وزارتي الخارجية والخزانة. ووفقًا لأربعة مصادر مطلعة، فقد سارع كبار المسؤولين إلى بحث آليات تنفيذ القرار، خصوصًا أن بعض العقوبات المفروضة على سوريا تعود إلى عقود طويلة، وتستلزم تنسيقًا قانونيًا معقدًا مع الكونغرس ومؤسسات عدة.
لقاء تاريخي وشروط سياسية
وقد التقى ترامب بالرئيس السوري أحمد الشرع في الرياض، وهو أول لقاء يجمع رئيسًا أميركيًا ونظيره السوري منذ 25 عامًا. وأوضح بيان للبيت الأبيض أن ترامب ربط رفع العقوبات بعدة مطالب، منها: إخراج “الإرهابيين” الأجانب من سوريا، وترحيل من وصفهم بـ”الإرهابيين الفلسطينيين”، والتعاون مع واشنطن لمنع عودة تنظيم الدولة الإسلامية.
تحسين الوضع الأمني وإعادة بناء الدولة
أما أمنيًا، فقد يسهم القرار في الحد من الظواهر السلبية المرتبطة بانهيار الاقتصاد، كالهجرة غير الشرعية والتهريب. كما يُتوقع أن يعاد بناء مؤسسات الدولة على أسس جديدة، ضمن مشروع تحديث وطني شامل.
تحول جيواستراتيجي يعيد دور سوريا الإقليمي
جيواستراتيجياً، يعيد رفع العقوبات فتح الباب أمام سوريا لتلعب دور الممر التجاري الحيوي بين الخليج وتركيا وأوروبا. وهو ما قد يحوّلها من نقطة نزاع إلى ركيزة استقرار إقليمي.
من الحرب إلى مشروع سلام وتنمية
بهذا القرار، لا تعود سوريا فقط إلى الخريطة، بل تعود معها فرصة نادرة للمنطقة بأسرها كي تنتقل من رماد الحرب إلى مشروع سلام وتنمية مستدامة.