فرصة إقليمية: كيف تستفيد العراق وتركيا والأردن من رفع العقوبات الأميركية عن سوريا؟

في خطوة مفاجئة، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب من العاصمة السعودية الرياض رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا، فاتحًا بذلك بابًا واسعًا أمام تحول إستراتيجي في المنطقة، قد يعيد رسم خريطة التفاعلات الاقتصادية والسياسية في الشرق الأوسط.

أمام هذا التحول، وجدت دول الجوار السوري—العراق وتركيا والأردن—فرصة لإعادة تموضعها اقتصاديًا، مستفيدة من انفتاح محتمل على السوق السورية التي ظلت لسنوات شبه معزولة بسبب العقوبات  والنزاع، في وقت بدأت فيه حكومات هذه الدول بإرسال إشارات رسمية لبدء تفعيل التعاون الاقتصادي وإطلاق مشاريع مشتركة مع دمشق.

لكن، ووفق تقرير نشرته وكالة بلومبرغ، فإن هذا التعهد لا يزال يواجه مسارًا قانونيًا طويلًا ومعقدًا داخل الولايات المتحدة، مع وجود تحديات تتعلق بالبيروقراطية والضغوط السياسية في الكونغرس، وهو ما قد يؤخر تنفيذه فعليًا على أرض الواقع.

العراق: بوابة نفطية ومصرفية

في العراق، يراهن المسؤولون والخبراء على استعادة الروابط التجارية مع سوريا، التي كانت تقارب مليار دولار سنويًا قبل الحرب. ورغم هشاشة الوضع الأمني، فإن قطاعات كالمصارف والزراعة والصناعة مرشحة للانتعاش، خاصة إذا استعادت دمشق السيطرة الكاملة على أراضيها. لكن الخطر الإسرائيلي لا يزال يؤرق المستثمرين العراقيين، في ظل استمرار الغارات والوجود العسكري قرب العاصمة السورية.

وفق تصريحات رشيد السعدي، المتحدث الرسمي باسم غرفة تجارة بغداد، تركزت السلع والخدمات المتبادلة سابقًا في المواد الغذائية والمنسوجات والصابون، في حين لم تظهر استثمارات كبرى نتيجة التحديات الأمنية والاقتصادية. مع ذلك، أسس بعض رجال الأعمال العراقيين شركات صغيرة ومصانع تجارية في سوريا، وسط توقعات بأن يستفيد القطاع المصرفي بشكل خاص بعد رفع العقوبات، يليه قطاعات الزراعة والتجارة والسياحة.

لكن الخطر الإسرائيلي لا يزال يؤرق المستثمرين العراقيين، في ظل استمرار الغارات والوجود العسكري قرب العاصمة السورية، مما يخلق حالة من التردد لدى رؤوس الأموال. ويشير خبراء اقتصاديون إلى أن فتح السوق السورية سيسهم في رفع التبادل التجاري تدريجيًا، وقد يصل في أفضل الأحوال إلى 4 مليارات دولار سنويًا. كما تمثل سوريا منفذًا إستراتيجيًا لصادرات النفط العراقي نحو البحر المتوسط.

تركيا: شريك استراتيجي في الإعمار

أما تركيا، فتمضي بثبات نحو إعادة تفعيل علاقتها الاقتصادية مع سوريا. ووفق بيانات رسمية، ارتفعت صادرات أنقرة إلى دمشق إلى أكثر من 2.2 مليار دولار عام 2024، وسط توقعات ببلوغ التبادل التجاري 10 مليارات في السنوات المقبلة. ويُنتظر أن يقود قطاع المقاولات التركي مشاريع إعادة الإعمار، مدعومًا ببنية صناعية قوية وقرب جغرافي، مع تفاؤل البنوك التركية بإمكانية التمويل بعد رفع العقوبات.

وقد أعلنت وزارة التجارة التركية في فبراير 2025 رفع القيود على التصدير والنقل إلى سوريا، في خطوة سرّعت من النشاط التجاري، خصوصًا في المناطق الشمالية. كما سجّلت غازي عنتاب وحدها صادرات بنحو 481 مليون دولار إلى سوريا، لتأتي في المرتبة الثالثة بعد العراق والولايات المتحدة في أسواقها الخارجية.

وعلى الصعيد المالي، أكدت إدارة بنك BBVA أن القرار الأميركي يفتح الباب أمام البنوك التركية للمشاركة بفعالية في مشاريع البنية التحتية والقطاعات الإنتاجية. ويُتوقع أن يزدهر قطاع الإلكترونيات والأجهزة الكهربائية، خصوصًا مع حاجة السوق السورية للمنتجات الهندسية الاستهلاكية.

ويرى خبراء أتراك أن رفع العقوبات يمثل لحظة إستراتيجية يمكن أن تعزز من نفوذ تركيا في التجارة الإقليمية وسلاسل التوريد، مشيرين إلى أن استمرار اتفاقية التجارة الحرة الموقعة عام 2007 يمنح أنقرة أساسًا قانونيًا لتوسيع شراكاتها مع دمشق.

الأردن: الحالم بعودة سوريا كـ”ممر بري”

في الأردن، تبدو العودة السورية إلى المشهد الاقتصادي فرصة لإحياء تجارة بينية كانت نشطة قبل 2011. من المتوقع أن تستفيد عمّان من مشاريع إعادة الإعمار، خاصة في الجنوب السوري، بالإضافة إلى مشاريع طاقة وربط كهربائي قد تخفف من أعباءها الاقتصادية.

وتشير أرقام رسمية إلى أن حجم الصادرات الأردنية إلى سوريا بلغ 768 مليون دولار خلال أول 10 أشهر من العام الماضي، بينما ارتفعت المستوردات إلى 711 مليون دولار، مقارنة بـ535 مليونًا عام 2023. ويأمل الأردن أن تعود سوريا لتكون ممرًا بريًا للمنتجات الأردنية نحو أوروبا ولبنان وتركيا، فضلًا عن كونها سوقًا مهمة للسلع الزراعية والصناعية الأردنية.

قال رئيس غرفتي تجارة الأردن وعمان، خليل الحاج توفيق، إن القرار الأميركي يمثل دفعة قوية لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع سوريا، خصوصًا في قطاعات المصارف والإنشاءات.

ويؤكد الباحث الاقتصادي عامر الشوبكي أن القرار الأميركي يمنح الأردن فرصة إستراتيجية لاستئناف تصدير الكهرباء والغاز إلى سوريا، عبر البنية الإقليمية القائمة. كما يسهم هذا التحول في تشجيع عودة اللاجئين السوريين من الأردن، ويعيد تنشيط قطاع النقل البري الذي كان يعاني من الشلل خلال سنوات الحرب.

إنه تحول قد يعيد سوريا إلى قلب الاقتصاد الإقليمي، ويمنح دول الجوار دفعة هم في أمسّ الحاجة إليها، إذا أحسنوا استثمار اللحظة، وتحركوا بخطوات مدروسة لاغتنام الفرص الناتجة عن هذا الانفتاح المفاجئ.