في غزة، يتقاطع الجوع مع اللهب ليصنعا معًا مشهدًا مروعًا يصعب وصفه. هناك، تتآكل الأجساد وتضمر، لكنها لا تذل. فكلما خارت العظام، اشتدت القلوب، وازدادت الأرواح صلابة وعنفوانًا. في المخيمات التي تنهشها المجاعة، تلوح وجوه شاحبة بضحكة صامتة، لا تخلو من كبرياء، ترفض أن تنكسر تحت وطأة الألم.
الجوع اليومي: واقع لا يحتمل الانتظار
لم يعد الجوع في غزة احتمالًا قادمًا، بل هو واقع يومي قاتل يطارد الصغار قبل الكبار. الأمهات اللواتي أرضعن أبناءهن بالصبر والمقاومة، باتت أثداؤهن خاوية، لا تدرّ شيئًا سوى لوعة العجز. الأطفال، أول ضحاياه، يتحوّلون إلى عظام هشّة مغطاة بجلد جاف، تذكّرنا كل لحظة بأن الصمت جريمة، وأن الإنسانية غائبة.
بحسب تقرير صدر عن برنامج الأغذية العالمي في أبريل 2024، يعاني نحو 97٪ من سكان غزة من انعدام حاد في الأمن الغذائي، بينما تجاوزت نسب سوء التغذية بين الأطفال معدلات كارثية، حيث يُعد أكثر من نصف الأطفال دون سن الخامسة في خطر مباشر.
الاحتلال يزيد النار اشتعالًا والعالم يصمت
وسط هذا الجحيم، يقف الاحتلال متفرجًا، بل ومتشفّيًا، يضيف إلى الحصار نيران القصف، بينما يتقاعس العالم عن مدّ يد العون. يُحذّر خبراء من أن المجاعة في غزة قد تتحول إلى واحدة من أفظع الكوارث الإنسانية في القرن الحالي، حيث يعاني أكثر من 60 ألف طفل من سوء تغذية حاد يُهدد حياتهم، في ظل انعدام أي أفق للحل أو الغذاء.
وقد أكدت منظمة الصحة العالمية في تقريرها الصادر في مارس 2025 أن 80٪ من مستشفيات غزة باتت خارج الخدمة، ما يعمّق عجز القطاع الصحي عن التعامل مع تداعيات سوء التغذية والأمراض المرتبطة به، ويجعل فرص النجاة أكثر هشاشة.
تناقض صارخ بين الجوع والوفرة في العالم
وعلى الضفة الأخرى من العالم، يعيش كثيرون في فائض من الطعام والبدانة، وتُهدر المليارات على الوجبات السريعة والاحتفالات، بينما يتضور أكثر من 876 ألف إنسان في غزة جوعًا، ويواصلون المقاومة على بطون خاوية.
تُقدّر الإحصاءات الصادرة عن منصة Statista أن الدول العربية تنفق أكثر من 52 مليار دولار سنويًا على الوجبات السريعة والمناسبات، في وقت لا يجد فيه سكان غزة سوى الشحّ والمجاعة، ما يعمّق التناقض الإنساني المرير بين الوفرة والصمت.
غزة لا تخضع: الكرامة أقوى من المجاعة
رغم كل هذا، لا صوت يعلو في غزة فوق الصمود. فبين ركام الحرب وأنياب المجاعة، يسطع نور الكرامة. تقول غزة للعالم، كما قال الشاعر يومًا: ولقد أبيتُ على الطوى وأظلّه… حتى أنالَ به كريمَ المأكلِ. جوعٌ نعم، لكن لا خضوع.
