في الوقت الذي كان يأمل فيه العالم أن تشكل مفاوضات إسطنبول بين روسيا وأوكرانيا بارقة أمل لإنهاء النزاع، سرعان ما تلاشت آثارها، ليعود المشهد إلى التصعيد العسكري وتبادل الضربات. وبينما تجري المرحلة الثالثة والأكبر من عمليات تبادل الأسرى، تحرّك الاتحاد الأوروبي لفرض حزمة جديدة من العقوبات على موسكو، في تصعيد اقتصادي لافت.
أكبر عملية تبادل أسرى منذ اندلاع الحرب
لم تمضِ سوى أيام قليلة على انتهاء المفاوضات المباشرة التي احتضنتها إسطنبول بمشاركة وفود رفيعة، من بينها وزير الخارجية التركي ونظيره الأميركي، حتى عاد الطرفان إلى مربع المواجهة. وعلى الأرض، شهدت هذه الفترة إطلاق المرحلة الثالثة من عملية تبادل الأسرى، وهي الأضخم منذ بداية الحرب.
عقوبات أوروبية تستهدف “أسطول الظل” وشركات النفط
الحزمة الجديدة استهدفت نحو 200 سفينة من “أسطول الظل” الروسي، الذي يُستخدم لتهريب النفط بعيداً عن أعين العقوبات الغربية. كما طالت الإجراءات شركات نفطية كبرى و45 شخصية وكيانًا يدعمون الجيش الروسي، في خطوة تهدف إلى خنق مصادر تمويل الكرملين.
قائمة حظر أوسع وتضييق إضافي على الصادرات
هذه الحزمة تعد الأوسع منذ بدء الحرب في أوكرانيا، حيث شملت قيودًا إضافية على تصدير السلع ذات الاستخدام المزدوج، بإدراج 31 كيانًا جديدًا ضمن قائمة الحظر. وقد تم تبنيها أيضًا من قبل بريطانيا، في تحرك منسق يهدف لتوسيع نطاق الضغط.
الدور الأوروبي مقابل تراجع الدور الأميركي
إلا أن هذه الضغوط الاقتصادية لا تأتي بمعزل عن سياق سياسي متشابك، فبينما تتراجع حدة الموقف الأميركي في عهد إدارة ترامب، ويغيب فرض قيود جديدة، تبرز أوروبا كلاعب رئيسي في سياسة العقوبات. ومع ذلك، تبقى استجابة بروكسل محدودة أمام مطالب أوكرانيا، خصوصًا مع اقتراحها فرض عقوبات ثانوية قد تطال دولًا كالهند والصين، وهو ما قد يُشعل توترات دبلوماسية غير محسوبة.
تحذيرات من ارتدادات دبلوماسية واقتصادية
يرى باحثون روس أن المطالب الأوكرانية بفرض عقوبات على المشترين الرئيسيين للنفط الروسي تتجاوز قدرة أوروبا السياسية والاقتصادية، ما يجعل تنفيذها مستبعدًا. ويؤكد محللون أن أي تصعيد تجاه دول كالهند والصين قد ينعكس سلبًا على العلاقات الاستراتيجية.
الاقتصاد الروسي يناور وسط الحصار
ويرى خبراء روس أن هذه العقوبات ستترك أثرًا محدودًا، لكن حساسًا، في بعض القطاعات مثل الطيران، فيما سيحاول الاقتصاد الروسي المناورة والتكيف. كما يبقى “أسطول الظل” هدفًا صعبًا رغم محاولات عزله.
ضعف العقوبات في غياب التنسيق الأميركي
أما فك الارتباط الأميركي عن مسار التصعيد فيُضعف مفعول العقوبات الأوروبية، وهو ما أكده المحلل أندريه زايتسيف، مشيرًا إلى أن المفاوضات وحدها لا تضمن رفع القيود، مستشهداً بتجارب الصين وإيران.
رفع العقوبات بين الواقع والطموح
يشير زايتسيف إلى أن مسار تخفيف العقوبات -حتى في حال تحقيق تقدم سياسي- غالبًا ما يتسم بالبطء، ويحتاج إلى إجراءات متدرجة مثل منح استثناءات وتراخيص. وهو ما يظهر في تجارب سابقة كالعقوبات على الصين التي استمرت لعقود، أو إيران التي زادت العقوبات عليها رغم التوصل إلى اتفاق نووي.
فصل جديد في النزاع المستمر
بشكل عام، تعكس العقوبات الأوروبية الجديدة رغبة واضحة في تصعيد الضغط على روسيا. ومع ذلك، لا تشير هذه الإجراءات إلى اقتراب أي تغيير جذري في مجريات الحرب. بل على العكس، تفتح هذه الخطوة الباب أمام فصل جديد من التصعيد. ومن المتوقع أن تستمر التعقيدات السياسية والاقتصادية، مما يعزز فرضية امتداد النزاع لفترة أطول، دون حلول قريبة في الأفق.