رغم الارتفاع الملحوظ في سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار، لا تزال أسعار السلع والخدمات في الأسواق السورية عند مستويات مرتفعة. هذا التناقض يثير تساؤلات السوريين، خاصة أولئك الذين يعتمدون على الحوالات الخارجية لتأمين متطلباتهم الأساسية.
شكاوى من ضعف الأثر الفعلي لتحسن الليرة
تشكو شادية مطر، وهي مدرسة متقاعدة تقيم في دمشق، من استمرار ارتفاع الأسعار رغم تحسن الليرة السورية. وتوضح أن ابنها يرسل لها 200 دولار شهريًا من العراق، لكنها لا تكفيها حتى منتصف الشهر. وتضيف أن إيجار شقتها لا يزال مليون ليرة، أي ما يعادل نحو 110 دولارات، في حين كان سابقًا يعادل 75 دولارًا فقط. وعلى الرغم من تحسن سعر صرف الليرة خلال الأشهر الماضية، إلا أن ذلك لم ينعكس فعليًا على تكاليف المعيشة، مما يزيد من معاناة المواطنين.
تحسن صرف الليرة لم ينعكس على الأسعار
منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، ارتفعت الليرة السورية نتيجة لقرارات دولية، من أبرزها رفع العقوبات الأميركية والأوروبية. فقد انخفض سعر صرف الدولار في السوق الموازية من 16,000 ليرة إلى نحو 9,250 ليرة مؤخرًا.
لكن رغم هذا التحسن، لم يلحظ السوريون تغيرًا ملموسًا في الأسعار. السلع الغذائية، والأدوية، والخدمات مثل العيادات الطبية والفنادق، لا تزال تُسعَّر على أساس مستويات سابقة من الدولار.
تفسير رسمي: السوق لا يستجيب بسرعة
يرى حسن الأحمد، مدير الإعلام في وزارة الاقتصاد السورية، أن هناك بالفعل تراجعًا جزئيًا في الأسعار، لكنه يقتصر على السلع التي تعتمد على مواد محلية ومنافسة واضحة. وأشار إلى أن بعض القطاعات، مثل الألبسة والمطاعم، لم تشهد أي انخفاض ملموس في الأسعار. ويعود ذلك إلى مجموعة من العوامل المعقدة. أولًا، هناك اختلال واضح بين العرض والطلب يؤثر على استقرار السوق. ثانيًا، ارتفعت تكاليف التشغيل بشكل ملحوظ، مما دفع التجار إلى تثبيت الأسعار. وأخيرًا، أدى تفاوت جودة المنتجات والخدمات إلى تفاوت في التسعير، مما صعب عملية ضبط الأسعار بشكل موحد.
كما أكد أن الوزارة لا تتدخل إداريًا في التسعير، بل تركز على تعزيز المنافسة ومنع الاحتكار لتوازن الأسعار تدريجيًا ضمن منطق اقتصاد السوق.
أسباب اقتصادية وراء استقرار الأسعار رغم تحسن الليرة
بحسب الخبير الاقتصادي حازم عوض، فإن التحسن في سعر صرف الليرة لا يستند إلى أساس اقتصادي متين، بل إلى مضاربات نفسية في السوق الموازية. فعندما تنتشر أنباء إيجابية مثل دخول استثمارات أو تخفيف العقوبات، يندفع المتعاملون نحو بيع الدولار، مما يرفع قيمة الليرة مؤقتًا.
لكن في الواقع، لا ينعكس هذا التحسن المؤقت في سعر صرف الليرة على أسعار السلع كما يُتوقع. يعود ذلك إلى عدة أسباب مترابطة. فمن جهة، يفضل التجار الحفاظ على هامش أمان في التسعير خوفًا من تقلبات السوق المحتملة. ومن جهة أخرى، هناك سلع محلية لا تتأثر مباشرة بتغيرات سعر الصرف لأنها غير مستوردة. بالإضافة إلى ذلك، لا تزال حالة عدم الثقة بثبات التحسن في قيمة العملة تهيمن على السوق، مما يدفع الكثيرين إلى التريث قبل تعديل الأسعار.
عوامل إضافية تؤثر في الأسعار المحلية
الخبير الاقتصادي أدهم القضيماتي لخص أبرز الأسباب التي تمنع انخفاض الأسعار رغم ارتفاع الليرة في:
- غياب اقتصاد مؤسسي قوي: ضعف البنية الاقتصادية والإدارية يحد من فعالية السياسات.
- تقلبات سعر الصرف: الأسواق تُسعّر منتجاتها على أساس السوق السوداء لا السعر الرسمي.
- نقص الإنتاج المحلي: اعتماد مفرط على الاستيراد، خاصة في المواد الغذائية.
- غياب الاستقرار النقدي: مما يزيد من التردد في تخفيض الأسعار لدى التجار.
في النهاية، إن استمرار ارتفاع أسعار السلع في سوريا رغم تحسن سعر صرف الليرة السورية يعكس تعقيدات اقتصادية عميقة تتعلق بالبنية الإنتاجية، وسياسات السوق، وعوامل نفسية مرتبطة بالثقة في الاستقرار النقدي. ويبدو أن المواطن السوري لن يشعر بتحسن حقيقي في الأسعار إلا إذا رافق تحسن الليرة خطوات عملية تعزز الإنتاج المحلي وتعيد التوازن إلى السوق.