تواجه الأردن تحديًا كبيرًا في قطاع الطاقة، حيث تستورد المملكة أكثر من 76% من احتياجاتها من الخارج، مما يضغط على الميزانية العامة ويستهلك نحو 8% من الناتج المحلي الإجمالي. هذا الاعتماد الكبير على الاستيراد، إلى جانب ارتفاع أسعار النفط والغاز عالميًا، يشكل عبئًا اقتصاديًا متزايدًا.
حقل الريشة الغازي: مصدر وطني واعد
وسط هذه التحديات، يبرز حقل غاز الريشة شمال شرق المملكة كمصدر إستراتيجي قد يُحدث تحولًا حقيقيًا في معادلة الطاقة الأردنية. فقد كشفت أعمال التنقيب الحديثة عن كميات تجارية واعدة من الغاز الطبيعي، مع تقديرات تشير إلى إمكانية تغطية احتياجات الأردن لمدة تصل إلى 80 عامًا.
يقع الحقل في محافظة المفرق على الحدود مع العراق، وتم اكتشافه لأول مرة عام 1986، وبدأ الإنتاج الفعلي فيه عام 1989. كما تشير المصادر إلى أن الإنتاج الحالي يصل إلى 62 مليون قدم مكعب يوميًا، بينما لا يُستخدم سوى 16 إلى 20 مليون قدم مكعب فقط.
اكتشافات واعدة تدعم النمو المستدام
وفقًا لورقة سياسات صادرة عن منتدى الإستراتيجيات الأردني، من المتوقع أن يلبي حقل الريشة أكثر من 60% من احتياجات الأردن من الغاز الطبيعي بحلول عام 2030. كما يهدف المخطط الوطني إلى رفع الإنتاج إلى 418 مليون قدم مكعب يوميًا، بمعدل نمو سنوي يقارب 40% بين عامي 2025 و2030.
هذا التطور قد يمكن الأردن من تحقيق اكتفاء ذاتي في قطاع الكهرباء، وتقليل الاعتماد على واردات الطاقة. كما يسهم هذا التقدم في تحسين الميزان التجاري وتخفيف الأعباء المالية على الموازنة العامة للدولة.
دعم اقتصادي وتنمية محلية
يسهم تطوير حقل غاز الريشة في تحفيز الاقتصاد الوطني من عدة جوانب. فمن جهة، يساهم في تقليص فاتورة استيراد الغاز والنفط، مما يخفف الضغط على الموازنة العامة. ومن جهة أخرى، من المتوقع أن يخلق الحقل فرص عمل جديدة في المناطق المجاورة، مما يعزز التنمية المحلية. كما يوفر الحقل مصدرًا محليًا للطاقة بأسعار تنافسية، ما يدعم الصناعات الوطنية ويزيد من تنافسيتها. علاوة على ذلك، يعزز تطوير الحقل أمن الطاقة في الأردن ويقلل من التبعية لمصادر خارجية، مما يحد من المخاطر الجيوسياسية المحتملة.
استثمارات حكومية وشراكات إقليمية
تتضمن خطة التطوير حفر 80 بئرًا خلال ثلاث سنوات، بتمويل حكومي جزئي بقيمة 87 مليون دينار أردني. كما تبحث الحكومة الأردنية ربط الحقل بخط الغاز العربي عبر أنبوب طوله 300 كيلومتر بالتعاون مع مصر. وهو ما يعزز فرص التصدير والتكامل الإقليمي في مجال الطاقة.
احتياطي ضخم واستغلال مستقبلي
بحسب وزارة الطاقة، يبلغ احتياطي الغاز في حقل الريشة نحو 11.99 تريليون قدم مكعب، منها 4.675 تريليونات قدم مكعب قابلة للاستخراج، ما يمثل 39% من الحجم الكلي. هذه الأرقام تضع الحقل في موقع محوري ضمن إستراتيجية الطاقة الوطنية.
أهمية الاعتماد على الذات
يؤكد الخبير الاقتصادي حسام عايش أن الغاز المكتشف في الريشة قد يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الاستقلال الاقتصادي. كما أشار إلى أن فاتورة الطاقة التي تتجاوز 7 مليارات دولار سنويًا يمكن تخفيضها بشكل كبير، مما يساهم في تسديد المديونية وتقليص الاقتراض وتحقيق موازنات خالية من العجز.
شدد الخبير الاقتصادي حسام عايش على أهمية استغلال موارد الغاز المحلية لتقليل التبعية لمصادر الطاقة الخارجية. كما أشار إلى أن اضطرابات الإمدادات الإقليمية، مثل تقليص صادرات الغاز من إسرائيل إلى مصر، تؤكد الحاجة إلى الاعتماد على مصادر وطنية آمنة.
في النهاية، يمثل حقل غاز الريشة فرصة استراتيجية حاسمة للأردن لإعادة هيكلة قطاع الطاقة وتعزيز الاعتماد على الموارد المحلية. كما يساهم تطوير الحقل في دعم الاقتصاد الوطني والاقتراب من تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الغاز الطبيعي. ومع استمرار الجهود الحكومية والاستثمارات في الحقل، تزداد فرص الأردن في تحقيق تحول اقتصادي وتنموي مستدام.