يُخطط العراق لتوسيع نفوذه في سوق الطاقة العالمية من خلال استثمار إستراتيجي في مصافٍ نفطية خارجية ذات قدرات تكرير عالية. تأتي هذه الخطوة ضمن مساعٍ لتأمين تسويق نفطه الخام، وتعظيم العائدات المالية بشكل مستدام.
الأسواق الآسيوية محور الاستراتيجية
يوجه العراق ما يقرب من 75% من صادراته النفطية نحو آسيا، ما يعكس التوجه نحو أسواق ناشئة مثل الصين، الهند، فيتنام، وكوريا الجنوبية. وتشهد هذه الدول نموا اقتصاديا متسارعا وطلبا متزايدا على المنتجات النفطية المكررة، مما يجعلها بيئة مثالية للاستثمار.
في عام 2024، بلغت صادرات العراق النفطية نحو 1.2 مليار برميل، بإيرادات فاقت 95 مليار دولار. وتشكل هذه العائدات أكثر من 90% من الميزانية العامة، ما يعزز الحاجة لاستراتيجيات تسويقية أكثر استقرارًا.
أهداف استراتيجية لتقليل المخاطر
أوضح المستشار الحكومي حاتم الفضلي أن العراق يسعى من خلال هذه الخطط إلى تنويع أسواقه النفطية وتقليل المخاطر التسويقية. ولتحقيق ذلك، يدرس إمكانية الاستثمار المباشر في مصافٍ خارجية. كما أشار إلى أن اختيار الدول المستهدفة لم يكن عشوائيًا، بل جاء بناءً على دراسة شاملة لعدة عوامل رئيسية.
من أبرز هذه العوامل النمو السكاني والاقتصادي المتسارع، وارتفاع الطلب على الطاقة، إضافة إلى وجود أسواق استهلاكية ضخمة تضمن تصريف المنتجات النفطية بكفاءة واستقرار.
معايير صارمة لاختيار الشركاء
تتولى شركة تسويق النفط العراقية (سومو) قيادة هذه الاستثمارات، مستندة إلى معايير مالية وفنية دقيقة لاختيار الشركاء. من بين هذه المعايير الجدارة الائتمانية والمالية، بالإضافة إلى الخبرة التشغيلية في إدارة المصافي الكبرى. كما تشترط سومو التزام الشريك بعقود توريد طويلة الأجل، والامتثال للمعايير البيئية والمؤسسية.
كما تفضل الشركة الدخول في شراكات تحقق قيمة مضافة، خصوصًا تلك التي تركز على إنتاج مشتقات نفطية عالية الجودة مثل الديزل والبنزين، وذلك بهدف تحقيق أرباح تفوق ما يمكن جنيه من تصدير النفط الخام فقط.
جدول زمني للتنفيذ حتى 2030
من المتوقع أن تكتمل دراسات الجدوى والتفاوض مع الشركاء المحتملين خلال عامي 2025 و2026، تمهيدًا لبدء مراحل التمويل والتنفيذ بين عامي 2026 و2030. ووفقًا للمخطط، سيتم تنفيذ هذه المشاريع بنظام الشراكة أو التملك الجزئي، مما يسهم في تقليل العبء المالي على الدولة.
وتشمل آليات التمويل المقترحة عدة مسارات، من أبرزها الدخول في شراكات مع شركات دولية أو حكومات آسيوية، والحصول على قروض من مؤسسات تنموية مثل بنك التنمية الآسيوي. إضافة إلى ذلك، يجري بحث إمكانية توظيف استثمارات مباشرة من صندوق العراق السيادي، فضلًا عن تطبيق نظام “النفط مقابل التكرير” كخيار استراتيجي لضمان تدفق التمويل بضمانات توريد طويلة الأمد.
ضمانات قانونية وشفافية مالية
شدد الفضلي على أهمية وجود عقود ذكية محكمة، وآليات تحكيم دولي لضمان الحقوق. كما أكد ضرورة الحوكمة المشتركة عبر لجان رقابة مالية، واستخدام أدوات التحوط ضد تقلبات السوق، ونشر تقارير دورية عن الأداء.
رأي الخبراء: خطوة صحيحة ومتأخرة
من جانبه، اعتبر الخبير النفطي عاصم جهاد أن توجه العراق نحو الاستثمار في المصافي الخارجية يُعد خطوة إيجابية، ولو جاءت متأخرة. كما أكد أن العراق سيحقق أرباحًا مضاعفة من تسويق المشتقات النفطية مقارنة بتجارة الخام.
وأشار الخبير النفطي عاصم جهاد إلى أهمية تطوير دور شركة سومو وتحويلها من مجرد جهة تسويقية إلى شركة تجارية عالمية متكاملة. ولفت إلى أن تحقيق هذا التحول يتطلب مجموعة من الشروط الأساسية. في مقدمتها ضرورة منح سومو استقلالية إدارية وتشريعية تضمن عملها بعيدًا عن الضغوط السياسية.
كما شدد على أهمية اختيار الكفاءات المهنية وفق معايير دقيقة، دون الاعتماد على المحاصصة. وأخيرًا، دعا إلى الاستفادة من التجارب الدولية الناجحة في هذا المجال، لضمان بناء نموذج مستدام قادر على المنافسة في السوق العالمية. في ختام حديثه، شدد جهاد على ضرورة التوسع نحو قطاع الغاز أيضًا، ما يفتح آفاقًا أوسع لتعزيز موقع العراق في سوق الطاقة العالمي.
العراق يخطط بثقة نحو مستقبل نفطي متنوع
في النهاية، وفي ظل التحديات الاقتصادية والتقلبات في أسواق الطاقة العالمية، يعد توجه العراق نحو الاستثمار في مصافٍ خارجية خطوة إستراتيجية مدروسة تهدف إلى تأمين العائدات وتعزيز حضوره العالمي. من خلال تنويع الأسواق، وتوسيع دور شركة سومو، وتبني نماذج تمويل مرنة، يضع العراق أسسًا قوية لمرحلة جديدة في قطاعه النفطي. ومع التنفيذ الدقيق والحوكمة الفعالة، يمكن لهذه الخطوة أن تتحول إلى نقطة تحول حاسمة تدعم الاقتصاد العراقي وتمنحه قدرة أكبر على التكيف والمنافسة في المستقبل.