كشفت دراسة علمية جديدة من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) عن آثار سلبية لاستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل ChatGPT، موضحة أن الاعتماد عليها في الكتابة يقلل من النشاط العصبي ويضعف الوظائف المعرفية طويلة الأمد، مقارنة باستخدام محركات البحث أو الكتابة الذاتية.
تفاصيل الدراسة: 4 أشهر من الرصد والمقارنة
أجرى فريق بحثي من مختبر Media Lab في معهد MIT دراسة استمرت لمدة أربعة أشهر. خلال هذه الفترة، قارن الباحثون بين ثلاث مجموعات من المشاركين أثناء تنفيذهم لمهام كتابية. في البداية، استخدمت المجموعة الأولى أداة ChatGPT لإنجاز الكتابة. في المقابل، اعتمدت المجموعة الثانية على محركات البحث فقط. أما المجموعة الثالثة، فقد كتبت اعتمادًا على مهاراتها الذاتية بالكامل، دون أي أدوات مساعدة. تهدف هذه المقارنة إلى قياس تأثير كل وسيلة على الأداء العقلي وجودة الكتابة.
إنتاج أسرع… لكن على حساب الجهد العقلي
توصل الباحثون إلى أن مجموعة ChatGPT أنجزت المهام بسرعة تفوقت بها على الآخرين بنسبة 60%، لكنها سجلت انخفاضًا كبيرًا بنسبة 32% في مؤشر “Germane Cognitive Load”، وهو مقياس يعبر عن مدى تنظيم المعلومات في الذاكرة طويلة الأمد.
كما اتضح أن المقالات الناتجة عن هذه المجموعة كانت متشابهة إلى حد كبير وتفتقر إلى الأصالة، في حين عبر المشاركون عن شعور ضعيف بالانتماء إلى النصوص التي كتبوها.
التكرار يضعف التفكير النقدي
مع تكرار استخدام ChatGPT، لاحظ الباحثون تراجعًا مستمرًا في الأداء العقلي؛ إذ بدأ المشاركون ينسخون المحتوى دون مراجعة أو تحليل نقدي، ما أدى إلى تغيرات ملحوظة في أنماط التفكير. والأسوأ أن هذا الأثر استمر حتى بعد التوقف عن استخدام الأداة، ما يشير إلى احتمال حدوث تغيّرات دائمة في بنية الدماغ.
تغيرات واضحة في نشاط الدماغ
اعتمدت الدراسة على فحوصات EEG لتتبع النشاط العصبي لدى المشاركين. أظهرت النتائج فروقات واضحة بين المجموعات الثلاث. فقد سجلت المجموعة التي اعتمدت على مهاراتها الذاتية 79 اتصالًا عصبيًا في نطاق موجات ألفا، وهي الموجات المرتبطة بالتركيز والإبداع.
في المقابل، حقق مستخدمو محركات البحث أداءً متوسطًا. أما مستخدمو ChatGPT فقد أظهروا أدنى أداء بواقع 42 اتصالًا فقط. وعند تحليل نطاق موجات ثيتا، المرتبطة بالذاكرة والتحكم التنفيذي، بلغ عدد الاتصالات لدى المجموعة الذاتية 65 اتصالًا، بينما لم يتجاوز 29 اتصالًا لدى مستخدمي ChatGPT. هذه الفروقات تُظهر بوضوح أن الاعتماد المفرط على أدوات الذكاء الاصطناعي يؤدي إلى انخفاض ملحوظ في تفاعل الدماغ مع المعلومات.
تراجع حاد في القدرة على التذكر
واحدة من النتائج اللافتة كانت أن 83% من مستخدمي ChatGPT فشلوا في تذكر اقتباسات من مقالات كتبوها قبل دقائق فقط، بينما بلغت هذه النسبة 11.1% فقط لدى من كتبوا دون مساعدات ذكية.
عند مطالبتهم بإعادة كتابة نفس النص بدون استخدام أي أداة، لم يتمكن معظمهم من تذكر المحتوى، ما يعكس ضعفًا في ترسيخ المعلومات في الذاكرة.
تحذيرات مستقبلية بشأن التعليم
حذّرت الباحثة الرئيسية في الدراسة، ناتاليا كوزمينا، من خطورة تعرض أدمغة الشباب، التي ما تزال في طور النمو، لهذه التأثيرات. وأشارت إلى أن الاعتماد على أدوات مثل ChatGPT قد يغير طريقة تعلمهم ويؤثر سلبًا في قدراتهم الذهنية مستقبلاً.
الذكاء الاصطناعي بين الإنتاجية والإبداع
رغم أن أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي تحسن الإنتاجية، فإنها ترتبط بانخفاض الإبداع وزيادة العزلة، بحسب ما تؤكده دراسات موازية. كما يزداد القلق مع اتساع استخدامها في المدارس والجامعات دون رقابة أو توجيه.
هل نحن بحاجة إلى مراجعة اعتمادنا على الذكاء الاصطناعي؟
تشير هذه الدراسة إلى أن تأثير الذكاء الاصطناعي على الدماغ قد لا يكون دائمًا إيجابيًا، خاصة إذا تم استخدامه بطريقة مفرطة ودون وعي. ويبدو أن تطوير المهارات الذاتية لا يزال السبيل الأفضل لبناء قدرات عقلية قوية ومستدامة، لا يمكن استبدالها بتقنية توليد النصوص.