في تطور غير مسبوق، بدأ العشرات من مقاتلي حزب العمال الكردستاني (PKK) تسليم أسلحتهم خلال مراسم أقيمت داخل أحد الكهوف شمال العراق، في خطوة رمزية تعكس تحولًا جوهريًا في مسار صراع دام لعقود مع الدولة التركية.
وبحسب مسؤولين أكراد، جرت المراسم داخل كهف جاسانا في منطقة دوكان شمال غرب محافظة السليمانية، بحضور قوات أمنية كردية عراقية كثيفة، وتحليق مروحيات فوق المنطقة، وفقًا لما أوردته وكالة رويترز.
نهاية صراع استمر منذ عام 1984
يأتي هذا التحول بعد إعلان الحزب في مايو الماضي عزمه على حل نفسه ونزع سلاحه، استجابة لنداء علني من زعيمه المعتقل عبد الله أوجلان، الذي دعا إلى إنهاء العمل المسلح والتركيز على مسار سياسي وسلمي. ومنذ تأسيسه في الثمانينات، خاض الحزب تمردًا انفصاليًا أودى بحياة أكثر من 40 ألف شخص، وأسفر عن خسائر اقتصادية ضخمة وتوترات سياسية داخل تركيا وخارجها.
نحو سلام شامل في تركيا والمنطقة
بحسب مطلعين على الخطة، سلّم نحو 40 عنصرًا وقائدًا من الحزب أسلحتهم في هذه المرحلة الأولى. ومن المتوقع أن تُتلف تلك الأسلحة لاحقًا في مراسم رسمية أخرى، بمشاركة ممثلين عن الاستخبارات التركية والعراقية، إضافة إلى مسؤولين من حكومة إقليم كردستان، وأعضاء من حزب الشعوب الديمقراطي (DEM) الذي لعب دورًا في التوسط لهذا الاتفاق.
كما دعا أوجلان، في رسالة مصورة نادرة، البرلمان التركي إلى تشكيل لجنة تشرف على عملية نزع السلاح وتدير المرحلة الانتقالية نحو السلام، وهي خطوة يرى فيها كثيرون فرصة تاريخية لإنهاء عقود من العنف.
تركيا ترحب وتربط السلام بالتنمية
من جانبه، شدد المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية التركي، عمر جليك، على ضرورة إنجاز عملية نزع السلاح خلال أشهر قليلة لتفادي محاولات إفشالها. وأكد الرئيس رجب طيب أردوغان أن السلام سيمكن من إعادة إعمار مناطق الجنوب الشرقي، التي كانت مسرحًا للصراع المسلح.
وفي السياق نفسه، كشف وزير المالية التركي محمد شيمشك أن البلاد أنفقت ما يقارب 1.8 تريليون دولار خلال العقود الخمسة الماضية في مكافحة الإرهاب، معتبرًا أن السلام يمثل فرصة اقتصادية ضخمة للدولة.
أبعاد إقليمية محتملة
يرى مراقبون أن نزع سلاح حزب العمال الكردستاني قد يفتح الباب أمام إعادة هيكلة القوى الكردية في سوريا، لا سيما تلك المتحالفة مع واشنطن، والتي تعتبرها أنقرة امتدادًا للحزب. وقد يشكل هذا التطور ضغوطًا إضافية على تلك القوى للاندماج ضمن هيكل أمني سوري جديد، خاصة في ظل غياب الرئيس السوري السابق بشار الأسد.
تشير الخطوة الرمزية التي بدأت في كهف بجبال كردستان العراق إلى بداية مرحلة جديدة في مسار الصراع الكردي التركي. وإذا ما توافرت الإرادة السياسية من جميع الأطراف، فقد تشهد المنطقة تحولات عميقة على المستويين الأمني والسياسي، نحو سلام طال انتظاره.