تسير دبي بخطى واثقة نحو تحقيق هدفها المتمثل في الاعتماد الكامل على الطاقة النظيفة بحلول عام 2050. تنطلق هذه الرؤية من استراتيجيات وطنية مثل “الحياد الكربوني 2050” و”استراتيجية دبي للطاقة النظيفة 2050″، مما يعزز موقع الإمارة كواحدة من أبرز المدن الرائدة عالميًا في الطاقة المتجددة والتحول الأخضر. ولا يقتصر هذا التحول على البيئة فحسب، بل يمتد ليشمل النمو الاقتصادي وتقدم التكنولوجيا، في نموذج متكامل للتنمية المستدامة.
محطة مفصلية: توافق الإمارات في COP28
شكل “توافق الإمارات” خلال مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ محطة فارقة في مسار دبي. كما تضمن التزامًا دوليًا بمضاعفة كفاءة الطاقة وتوسيع قدرة الطاقة المتجددة ثلاث مرات بحلول 2030.
دور هيئة كهرباء ومياه دبي (ديوا) في التحول الأخضر
تؤدي هيئة كهرباء ومياه دبي (ديوا) دورًا محوريًا في قيادة مشاريع الطاقة النظيفة في الإمارة. وتعتبر المحطة الأبرز في هذا السياق “مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية”، الذي يُعد أكبر مشروع للطاقة الشمسية في موقع واحد على مستوى العالم.
أبرز أرقام المشروع:
يتمتع مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية بقدرة إنتاج حالية تبلغ 3,460 ميغاواط، مع توسعة قيد الإنشاء تضيف 1,200 ميغاواط إضافية. وبحلول عام 2030، من المستهدف أن تصل القدرة الإجمالية إلى 7,260 ميغاواط. نتيجة لذلك، سترتفع نسبة الطاقة النظيفة ضمن مزيج الطاقة في دبي إلى 34٪، مما يسهم في تقليل الانبعاثات الكربونية بنحو 8 ملايين طن سنويًا.
ومن ناحية أخرى، يسجل المجمع إنجازات عالمية بارزة، مثل احتوائه على أطول برج شمسي في العالم بارتفاع 263.126 مترًا، إلى جانب امتلاكه لأكبر سعة تخزين حراري على مستوى العالم، تبلغ 5,907 ميغاواط/ساعة.
الذكاء الاصطناعي: تحسين الكفاءة وتقليل الانبعاثات
يعتمد تحول دبي نحو الطاقة النظيفة بشكل متسارع على تقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث تدمج هيئة كهرباء ومياه دبي (ديوا) هذه التقنيات في مختلف مراحل إنتاج وتوزيع الطاقة. فعلى سبيل المثال، طورت ديوا أول نظام تحكم توربيني مدعوم بالذكاء الاصطناعي في محطة جبل علي، مما ساهم في تحسين الكفاءة الحرارية بنسبة تصل إلى 3٪.
بالإضافة إلى ذلك، أسهمت المحطات الفرعية الرقمية في تقليل استهلاك الطاقة، موفّرة 129 ميغاواط/ساعة سنويًا، مع خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بشكل فعّال. وفي جانب الخدمات الرقمية، أجاب المساعد الافتراضي “رمّاس” على أكثر من 10 ملايين استفسار، وقد تم دمجه مؤخرًا مع تقنيات مثل ChatGPT وCopilot، الأمر الذي أدى إلى خفض التكاليف التشغيلية بنسبة 50٪، مع تحسين تجربة المتعاملين.
مؤشرات ملموسة على التقدم
من أبرز الإنجازات التي حققتها دبي حتى الآن في مسارها نحو الاستدامة، الوصول إلى نسبة 20٪ من الطاقة النظيفة ضمن مزيج الطاقة الحالي، مع هدف واضح لرفعها إلى 34٪ بحلول عام 2030. كما تمكنت الإمارة من خفض صافي الانبعاثات الكربونية بنسبة 28.6٪ في عام 2024 مقارنة بالسيناريو المعتاد، ما يعكس التقدم المحقق في تقنيات كفاءة الطاقة.
بالإضافة إلى ذلك، سجلت دبي إنجازًا عالميًا غير مسبوق في قطاع الكهرباء، حيث بلغ معدل فقدان الخدمة الكهربائية 0.94 دقيقة فقط لكل مشترك سنويًا، مقارنة بنحو 15 دقيقة لدى أفضل شركات المرافق في أوروبا.
البحث والتطوير: بوابة الابتكار في الطاقة النظيفة
يلعب مركز البحوث والتطوير في مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية دورًا محوريًا في ترسيخ مكانة دبي كمركز عالمي للابتكار في مجال الطاقة النظيفة. ومن خلال تركيزه على مجالات بحث متقدمة، يساهم المركز في تقديم حلول مبتكرة لمواجهة تحديات تقلبات مصادر الطاقة المتجددة. على سبيل المثال، يعمل على تطوير تقنيات تخزين الطاقة مثل بطاريات التدفق، إضافة إلى تنفيذ مشاريع مشتركة مع شركة تسلا، ما يعزز استقرار الشبكة ويضمن كفاءة الإمدادات في مختلف الظروف التشغيلية.
كما يعمل على تطوير الشبكات الذكية التي تضمن استقرار الإمدادات، ويجري أبحاثًا على تقنيات تحلية المياه باستخدام مصادر نظيفة، إلى جانب تحسين كفاءة الألواح الشمسية. ومن جهة أخرى، تعزز دبي هذا التوجه من خلال شراكات استراتيجية مع جامعات ومؤسسات بحثية مرموقة عالميًا، ما يضمن استمرارية الابتكار وتحقيق التفوق التكنولوجي على المدى الطويل.
مشاريع استراتيجية مبتكرة من ديوا
من بين أبرز المشاريع التي تعكس التزام دبي بالابتكار في مجال الطاقة النظيفة، تأتي منشأة الهيدروجين الأخضر، وهي الأولى من نوعها في الشرق الأوسط التي تعمل بالطاقة الشمسية، وتنتج ما يقارب 20 كغ من الهيدروجين في الساعة. كما أنشأت دبي محطة حتا للطاقة الكهرومائية بقدرة إنتاجية تصل إلى 250 ميغاواط، وسعة تخزين تبلغ 1,500 ميغاواط/ساعة، لتكون الأولى من نوعها في منطقة الخليج.
أما في مجال الاقتصاد الدائري، فقد دشنت الإمارة مركز تحويل النفايات إلى طاقة، الأكبر عالميًا، بقدرة 200 ميغاواط، كما يساهم في تقليل نحو 2,400 طن من الانبعاثات الكربونية سنويًا، من خلال تقليل الاعتماد على مدافن النفايات.
نحو مستقبل مستدام
في النهاية، تجسد تجربة دبي في التحول الكامل نحو الطاقة النظيفة بحلول 2050 مثالًا عالميًا على الرؤية بعيدة المدى والإرادة السياسية والابتكار التقني. ومن خلال المشاريع الطموحة والتحول المؤسسي، تضع دبي نفسها نموذجًا يحتذى به في مدن المستقبل.