في قلب مدينة غزة، تعيش عائلة المناصرة بين أنقاض مبنى مهدم، داخل خيمة لا تقيهم حرارة الصيف ولا برد الليل. كل يوم، يسير الأب أكرم المناصرة وبناته الثلاث نحو نقطة توزيع المياه، محاولين الحصول على ما يكفي من الماء للشرب والغسل.
لكن في ظل ارتفاع درجات الحرارة ونقص الموارد الأساسية، لا تتمكن عائلة المناصرة من جمع ما يكفي من المياه سوى لكمية ضئيلة بالكاد تكفي ليوم واحد. هذا القدر البسيط يُقسم على عشرة أفراد، ما يضاعف من المعاناة اليومية. ووسط هذه الظروف الصعبة، يعبّر أكرم المناصرة عن قلقه قائلًا: “لا توجد مياه، وأطفالنا مصابون بالجرب، لا مستشفيات ولا أدوية، الوضع كارثي.”
نتائج صحية كارثية بسبب نقص المياه
بحسب تقرير لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، فإن نقص المياه النظيفة في غزة بعد 21 شهرًا من الحرب وأربعة أشهر من الحصار الإسرائيلي “يؤثر بشكل مدمر على الصحة العامة”.
من أبرز الأمراض التي تنتشر بشكل متزايد نتيجة نقص المياه النظيفة في غزة، الإسهال الذي يصيب الأطفال بشكل خاص، ويؤدي إلى حالات جفاف حادة. كما تزداد حالات الإصابة باليرقان، وهو مؤشر على التلوث الشديد. وبالإضافة إلى ذلك، يعاني الكثيرون من الطفح الجلدي والجرب، وهي أمراض جلدية ناتجة عن سوء النظافة. وللأسف، تتفاقم العدوى الجلدية بسبب استخدام المياه الملوثة، ما يعرض السكان لمضاعفات صحية خطيرة في ظل غياب الرعاية الطبية والأدوية.
وذكرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أن السماح بدخول الكهرباء إلى محطات التحلية كفيل بحل أزمة المياه خلال 24 ساعة، لكن استمرار الحصار الإسرائيلي يمنع ذلك.
قصف مدمر لموقع توزيع المياه
في مشهد مأساوي آخر، استُهدفت نقطة توزيع مياه في مخيم النصيرات بصاروخ إسرائيلي، ما أدى إلى مقتل 8 أشخاص كانوا ينتظرون دورهم للحصول على المياه. الجيش الإسرائيلي برّر الحادث بأن الصاروخ “أخفق في إصابة هدفه”.
وبحسب OCHA، فإن نقص الوقود وإغلاق الآبار ومحطات التحلية في مناطق خاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي يعمق الأزمة، ويقوض خدمات المياه والصرف الصحي، ما يهدد بمزيد من التلوث وانتشار الأمراض.
نظام تقنين المياه داخل الخيام
داخل خيمتهم المتواضعة، تضطر عائلة المناصرة إلى اتباع نظام صارم لتقنين استخدام المياه الشحيحة. في البداية، تخصص المياه المتوفرة للشرب والطهي، نظرًا لأهميتهما القصوى. بعد ذلك، تعاد نفس المياه لاستخدامها في غسل الصحون، رغم اتساخها. وفي مرحلة ثالثة، تستخدم تلك المياه الملوثة مجددًا لغسل الملابس.
ووسط هذه الدورة القاسية، تجلس أم خالد إلى جانب دلو يحتوي على بقايا ماء، وتحاول غسل بعض الملابس، ثم تروي بقلق: “ابنتي مرضت من الطفح الجلدي والجرب، وأمس فقط، أصيب اثنان من أطفالي بالإسهال والقيء بسبب المياه الملوثة.”
تساؤلات إنسانية بلا إجابة
في تصريح لافت يعكس عمق أزمة المياه في غزة، تساءل جيمس إيلدر، المتحدث باسم منظمة اليونيسف، عن الدوافع الحقيقية وراء حرمان العائلات في غزة من أبسط حقوقها. وأكد في تصريحه أن الأزمة لم تعد مسألة نقص موارد فقط، بل مسألة إنسانية بامتياز، مضيفًا بغضب: “ما السبب الممكن لمنع عائلة من الحصول على كمية مياه كافية للبقاء؟” هذا التساؤل يلخص المأساة التي يعيشها المدنيون يوميًا تحت الحصار.
في المقابل، لم تصدر هيئة تنسيق المساعدات العسكرية الإسرائيلية (COGAT) أي رد على هذه التساؤلات، بينما صرح مسؤول عسكري إسرائيلي الأسبوع الماضي بأن الوقود يسمح بدخوله، لكن توزيعه ليس من مسؤولية الجيش.
أزمة إنسانية تتفاقم
أزمة المياه في غزة ليست مجرد مشكلة خدمية، بل تهديد وجودي يُعرض حياة آلاف العائلات، خاصة الأطفال، للخطر. في ظل استمرار الحصار وانهيار البنية التحتية، يواجه السكان خيارًا صعبًا بين العطش أو المرض.