لقي ما لا يقل عن 20 فلسطينيًا مصرعهم يوم الأربعاء نتيجة تدافع مأساوي في مركز لتوزيع المساعدات الإنسانية في خان يونس جنوب قطاع غزة، في واقعة أثارت موجة من الغضب والاتهامات المتبادلة.
مؤسسة غزة الانسانية تتهم عناصر مسلحة بإثارة الفوضى
أوضحت مؤسسة غزة للمساعدات الإنسانية (GHF)، وهي جهة مدعومة من الولايات المتحدة وتعمل خارج النظام الأممي، أن التدافع وقع في أحد مراكزها بمدينة خان يونس. وأكدت المؤسسة في بيان رسمي أن “عناصر مسلحة مرتبطة بحركة حماس” كانت سببًا في إثارة الفوضى والاضطرابات بين الحشود، ما أدى إلى مقتل 19 شخصًا دهسًا ووفاة شخص بطعنة سكين.
وزارة الصحة الفلسطينية: الوفيات ناتجة عن اختناق جماعي
في المقابل، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية أن 21 شخصًا قضوا نتيجة الاختناق بسبب الازدحام الشديد، مؤكدة أن المكان كان مكتظًا بمئات المحتاجين. وقال أحد المسعفين إن “عددًا كبيرًا من الناس حُشروا في مساحة ضيقة دون أي تنظيم واضح”.
الأمم المتحدة تنتقد الأوضاع الخطرة حول مواقع المساعدات
في اليوم السابق، أصدرت مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بيانًا صادمًا، أشارت فيه إلى توثيق مقتل 875 شخصًا خلال الأسابيع الستة الماضية في محيط مراكز المساعدات. كما تضمنت الحصيلة العديد من الضحايا الذين سقطوا قرب نقاط توزيع تابعة لمؤسسة غزة الانسانية، وغالبيتهم قضوا برصاص، يُتهم الجيش الإسرائيلي بالوقوف خلفه.
الجيش الإسرائيلي اعترف بسقوط ضحايا مدنيين قرب مواقع المساعدات، مشيرًا إلى إصدار تعليمات جديدة لقواته “بناءً على دروس مستفادة”.
انتقادات متصاعدة لطريقة عمل مؤسسة غزة الانسانية
تواجه مؤسسة غزة الإنسانية انتقادات حادة من جهات إنسانية فلسطينية ودولية. فقد وصفها مكتب الأمم المتحدة بأنها “غير آمنة بطبيعتها”، وانتهاك لمعايير الحياد الإنساني، وهو اتهام رفضته المؤسسة.
من جهته، وجه أمجد الشوا، مدير شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، انتقادات لاذعة إلى مؤسسة غزة الإنسانية، محملًا إياها المسؤولية المباشرة عن الفوضى التي حدثت. وأوضح أن الحشود التي تتوافد إلى مواقع المؤسسة تكون في حالة من الجوع والإرهاق الشديد، وتجبر على التزاحم داخل مساحات ضيقة. كما أشار إلى غياب التنظيم، وانعدام الرقابة الميدانية، فضلًا عن النقص الحاد في المساعدات، وهو ما اعتبره نتيجة مباشرة لسوء الإدارة وغياب المبادئ الإنسانية الأساسية.
طريق عسكري جديد في الجنوب يعمق الأزمة
في وقت متزامن مع الحادث، أعلن الجيش الإسرائيلي عن الانتهاء من إنشاء طريق جديد في جنوب القطاع، يفصل عدة مناطق شرقية من خان يونس عن باقي غزة. الهدف المعلن هو تعطيل تحركات عناصر حماس. كما يرى الفلسطينيون أن هذا الطريق محاولة إسرائيلية للضغط على الحركة في المفاوضات الجارية بشأن وقف إطلاق النار، والتي تعقد بوساطة مصرية وقطرية، وبدعم أمريكي. ومع ذلك، لم تسفر المباحثات حتى الآن عن أي اتفاق.
حماس ترفض مطالب إسرائيل وتطالب بعودة إشراف الأمم المتحدة
اتهمت حماس إسرائيل بالسعي للسيطرة على 40٪ من قطاع غزة ضمن أي اتفاق مستقبلي، وهو ما رفضته الحركة بشكل قاطع. كما شددت على ضرورة حل مؤسسة غزة للمساعدات الانسانية وإعادة المسؤولية للأمم المتحدة في توزيع المساعدات.
في النهاية، تعكس حادثة التدافع الدامية في خان يونس حجم المأساة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة، وسط ظروف معيشية قاسية وغياب التنسيق الفعّال في توزيع المساعدات. وبينما تتبادل الأطراف الاتهامات حول المسؤولية، يظل المدنيون الفلسطينيون هم الضحية الأكبر لهذا الصراع المستمر. إن استمرار تجاهل المبادئ الإنسانية وتسييس العمل الإغاثي لا يؤدي إلا إلى مزيد من الفوضى وسفك الدماء، ما يستدعي تدخلًا دوليًا عاجلًا يعيد تنظيم آليات الإغاثة ويضمن وصول المساعدات إلى مستحقيها بأمان وكرامة.