حقق باحثون يابانيون من “المعهد الوطني الياباني لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات” (NICT) رقمًا قياسيًا عالميًا جديدًا في سرعة الإنترنت بلغ 1.02 بيتابت في الثانية، أي ما يعادل 1,020,000 جيجابت. هذه السرعة الخيالية تمكن من تحميل مكتبة نتفليكس كاملة أو جميع ألعاب منصة Steam في لحظة، وتفتح الباب أمام ثورة في مجالات الحوسبة السحابية، الذكاء الاصطناعي، والاتصالات العالمية.
ما هو البيتابت؟ ولماذا هذه السرعة مذهلة؟
البيتابت (Petabit) هو وحدة قياس للبيانات الرقمية، وتساوي ألف تيرابت أو مليون جيجابت. للتقريب، فإن سرعة الإنترنت في معظم المنازل اليوم تتراوح بين 100 و1000 ميجابت في الثانية، بينما سرعة 1.02 بيتابت تعني أنك تستطيع:
- تحميل فيلم بجودة 4K في أقل من 0.01 ثانية
- تحميل مكتبة كاملة من البيانات أكبر من محتوى الإنترنت الكامل في التسعينات في لحظة واحدة
هذه السرعة تفوق قدرات الإنترنت التقليدي بآلاف المرات، وتجعل من الممكن تنفيذ عمليات ضخمة مثل تحليل بيانات الذكاء الاصطناعي وتدريب النماذج الكبيرة عبر قارات متعددة دون أي تأخير يذكر.
كيف تحقق هذا الإنجاز؟ باستخدام ألياف ضوئية عادية
ما يميز هذا الابتكار أنه لم يعتمد على تكنولوجيا جديدة كليًا، بل استخدم كابلات الألياف الضوئية القياسية المكونة من أربع نوى وأكثر من 50 طولًا موجيًا مختلفًا من الضوء. وتمكنت الفرق البحثية من الحفاظ على هذه السرعة الثابتة لمسافة تجاوزت 51 كيلومترًا، ما يجعلها قابلة للتطبيق في البنية التحتية الحالية.
ما الذي يمكن فعله بهذه السرعة؟
مع هذا النوع من الاتصال، يصبح من الممكن:
- معالجة بيانات الذكاء الاصطناعي عالميًا في الوقت الفعلي
- ربط مراكز البيانات في قارات مختلفة وكأنها ضمن شبكة محلية
- بث 10 ملايين فيديو بدقة 8K في نفس اللحظة
- تحميل 127 ألف سنة من الموسيقى خلال ثانية
- نسخ محتوى ويكيبيديا 10 آلاف مرة في نفس الثانية
وفقًا لتقرير نشره موقع Business Today، فإن هذا الابتكار قد يُغيّر قواعد اللعبة في مجالات مثل السيارات ذاتية القيادة، الترجمة الفورية، والأمن السيبراني.
تنافس دولي على سرعة الإنترنت
في سباق البنية التحتية الرقمية، تأتي اليابان في الصدارة متفوقة على دول مثل الولايات المتحدة، كوريا الجنوبية، والصين. كما تتسابق الدول على تطوير تقنيات اتصال تدعم تطبيقات المستقبل، بما في ذلك الميتافيرس، إنترنت الأشياء، وتقنيات الواقع الممتد.
التأثير الاقتصادي: إنترنت أسرع يساوي اقتصاد أقوى
تسهم سرعات الإنترنت الفائقة في إحداث تحول ملموس في مختلف القطاعات. فمن ناحية، تساهم في تحسين الإنتاجية في قطاعات الأعمال من خلال تسريع معالجة البيانات وتقليل أوقات الانتظار. كما تعزز من كفاءة الوصول إلى الخدمات الصحية والتعليمية، خاصة في المناطق النائية، بفضل إمكانية إجراء استشارات طبية وتعليم افتراضي بجودة عالية.
وبالإضافة إلى ذلك، تدعم هذه السرعات المتقدمة أنظمة المدن الذكية والبنى التحتية المؤتمتة، ما يُتيح استجابات لحظية وحلولًا أكثر فاعلية. كما تُساعد في تقليل التكاليف التشغيلية لمراكز البيانات بفضل قدرتها على معالجة كميات ضخمة من المعلومات بسرعة وكفاءة. من هنا، يصبح الاستثمار في هذه التكنولوجيا ليس مجرد خيار، بل ضرورة استراتيجية لمستقبل الاقتصاد الرقمي.
هل ستصل هذه السرعة للمستخدمين العاديين؟
رغم أن هذه السرعة ليست متاحة حاليًا للمنازل، إلا أنها تمثل خطوة جوهرية نحو مستقبل أكثر تطورًا في عالم الاتصالات. فمن جهة، تعد هذه التقنية أساسًا واعدًا لتطوير شبكات الجيل السادس (6G)، التي ستحدث نقلة نوعية في سرعة البيانات واستجابتها.
ومن جهة أخرى، ستستخدم هذه السرعة الفائقة في دعم الكابلات البحرية الجديدة، التي تشكل العمود الفقري للاتصال بين القارات. إضافة إلى ذلك، تسهم هذه الابتكارات في تعزيز البنى التحتية للإنترنت الوطنية والعالمية، مما يمهد الطريق لعصر رقمي أكثر استقرارًا وسرعة. وقد بدأت بالفعل الحكومات وشركات الاتصالات الكبرى في مراقبة هذا التطور باهتمام، خصوصًا مع تزايد الحاجة إلى نقل البيانات بسرعات فائقة في زمن الذكاء الاصطناعي.
في النهاية، إن سرعة الإنترنت التي وصلت إليها اليابان ليست مجرد إنجاز رقمي، بل هي تلميح قوي لمستقبل العالم الرقمي، حيث يمكن مشاركة البيانات، وتحليلها، وتخزينها بسرعات تفوق الخيال. قد يكون ذلك بعيدًا عن الاستخدام المنزلي الآن، لكن التأثير سيكون هائلًا على الاقتصاد العالمي، التكنولوجيا، والاتصال الإنساني.