شهدت الأسواق المالية الأميركية ارتدادًا ملحوظًا في عوائد السندات طويلة الأجل، إذ تجاوزت مجددًا حاجز 5%، مدفوعةً ببيانات مؤشر أسعار المستهلك لشهر يونيو التي كشفت عن آثار تضخمية مرتبطة بزيادة الرسوم الجمركية. هذه التطورات أعادت القلق إلى المستثمرين، خصوصًا في ظل الترقب لتحركات مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي.
تسارع في أسعار السلع الأساسية
تبين أن الارتفاع في أسعار سلع متنوعة، من القهوة إلى الأجهزة الصوتية والأثاث المنزلي، كان سببًا رئيسيًا في صعود التضخم. ويُعزى هذا الارتفاع إلى تمرير تكاليف الرسوم الجمركية المفروضة من إدارة الرئيس دونالد ترامب إلى المستهلكين.
رغم أن التضخم الأساسي بلغ 2.9% على أساس سنوي – أقل من التوقعات البالغة 3% – إلا أن المعدل العام قفز إلى 2.7% مقارنة بـ2.4% في مايو، ما زاد الضغط على الفيدرالي الأميركي للإبقاء على أسعار الفائدة عند مستويات مقيدة.
مستقبل أسعار الفائدة: بين السياسة والواقع
أثرت بيانات التضخم الأخيرة على توقعات الأسواق، حيث خفض المستثمرون رهاناتهم على خفض وشيك لأسعار الفائدة. وتراجعت احتمالات خفض الفائدة في سبتمبر إلى ما يزيد قليلًا عن 50%، بينما انخفضت التوقعات لخفض إجمالي خلال العام إلى 42 نقطة أساس فقط.
في هذا السياق، صرحت لوري لوغان، رئيسة الاحتياطي الفيدرالي في دالاس، بأن الإبقاء على السياسة النقدية المقيدة قد يكون ضروريًا لفترة أطول. ويأتي هذا التصريح في ظل استمرار الضغوط التضخمية، حيث أكدت أن الهدف الأساسي هو إعادة معدل التضخم إلى مستوى 2% بشكل مستدام. ومن ثم، يعكس هذا الموقف حذر الفيدرالي تجاه أي قرارات متسرعة بخفض أسعار الفائدة.
هجمات ترامب على الفيدرالي
في المقابل، صعد الرئيس دونالد ترامب من انتقاداته لرئيس الفيدرالي جيروم باول، داعيًا إلى خفض فوري لأسعار الفائدة بمقدار 300 نقطة أساس. وتزامنًا مع ذلك، عبّر جيمي ديمون، المدير التنفيذي لبنك جي بي مورغان، عن قلقه المتزايد من هذا الضغط السياسي. ووفقًا له، فإن المساس باستقلالية البنك المركزي قد يؤدي إلى نتائج عكسية، بل وربما يُحدث اضطرابات غير محسوبة في الأسواق المالية.
سوق السندات يتفاعل مع التضخم
رد الفعل في سوق السندات كان حادًا، إذ ارتفعت عوائد السندات الأميركية لأجل 30 عامًا إلى 5%، فيما اقتربت عوائد العشر سنوات من 4.5%. كما ارتفعت توقعات التضخم لعشر سنوات إلى 2.4%، وهو أعلى مستوى لها منذ مارس.
أداء الأسواق العالمية
في اليابان، أدت مخاوف السياسة المالية قبل انتخابات مجلس الشيوخ إلى ارتفاع عوائد السندات لأجل طويل. لكن تراجعت هذه العوائد يوم الأربعاء، مما خفّف بعض الضغط.
في أوروبا، ساهم إعلان خفض في الميزانية الفرنسية في هبوط طفيف للعوائد الألمانية والفرنسية، بينما واجهت بريطانيا ضغوطًا تضخمية متجددة، بعد أن قفز معدل التضخم السنوي إلى 3.6% في يونيو، وهو أعلى مستوى منذ أكثر من عام.
موسم الأرباح: بداية متواضعة
في هذا السياق، بدأ موسم الأرباح في وول ستريت بنتائج متباينة تعكس حالة الترقب في الأسواق. فعلى الرغم من رفع بنك جي بي مورغان توقعاته للدخل من الفوائد، تراجع سهمه في التداولات. وبالمثل، سجل ويلز فارجو نموًا في الأرباح نتيجة تقليص مخصصات خسائر القروض، إلا أن ذلك لم يمنع تراجعه في السوق. أما بلاك روك، فقد حققت رقمًا قياسيًا جديدًا في حجم الأصول المُدارة، لكن أسهمها انخفضت. في المقابل، استطاع سيتي غروب كسر هذا الاتجاه السلبي، محققًا أرباحًا قوية مدفوعة بأداء قوي في قسم التداول.
شركات التقنية: انتعاش بفضل الذكاء الاصطناعي
دعمت أخبار استئناف “انفيديا” مبيعاتها من رقائق الذكاء الاصطناعي إلى الصين أسهم التكنولوجيا، ما دفع مؤشر “ناسداك” إلى مستويات قياسية جديدة، على الرغم من تراجع مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” بسبب الضغوط التضخمية.
سعر صرف الدولار: انتعاش ملحوظ
ارتفع الدولار الأميركي بالتزامن مع ارتفاع عوائد الخزانة، وسجل أقوى مستوى له مقابل الين الياباني منذ بداية أبريل، مما يعكس العلاقة المتجددة بين أسعار الفائدة وقيمة العملة.
توقعات مقبلة: مؤشرات حاسمة في الأفق
في الأيام المقبلة، يترقب المستثمرون صدور مجموعة من البيانات الاقتصادية المهمة التي قد تؤثر على توجهات السوق. من أبرز هذه البيانات، تقرير أسعار المنتجين الأميركيين، والذي يُعد مؤشرًا رئيسيًا للتضخم. بالإضافة إلى ذلك، ينتظر الجميع بيانات الإنتاج الصناعي، التي تعكس مستوى النشاط في القطاع الصناعي.
كما سيحظى تقرير “البيج بوك” الصادر عن الفيدرالي باهتمام خاص، نظرًا لما يقدمه من رؤية شاملة حول الأوضاع الاقتصادية في مختلف المناطق. وعلى صعيد الشركات، من المنتظر إعلان نتائج أرباح كبرى المؤسسات المالية مثل غولدمان ساكس، مورغان ستانلي، وبنك أوف أمريكا، ما قد يضيف مزيدًا من التقلبات للأسواق.
تعكس التقلبات الأخيرة في الأسواق حالة من التوتر إزاء التضخم المرتبط بالرسوم الجمركية وتداعياته على قرارات السياسة النقدية. وبينما تسعى الحكومات والمصارف المركزية لتحقيق التوازن، يواصل المستثمرون مراقبة المشهد الاقتصادي عن كثب.