في مشهد بات متكررًا، تهرع داريا سلافيتسكا، البالغة من العمر 27 عامًا، كل ليلة تقريبًا إلى محطة مترو في كييف برفقة طفلها إيميل، ذي العامين، بحثًا عن الأمان من القصف الروسي. كما تحمل معها حصيرة يوجا وبطانيات وبعض الطعام، وتحاول النوم لساعات قليلة في عمق الأرض، بينما تدوي صفارات الإنذار في الخارج.
هجمات مكثفة تُرهق سكان كييف
منذ أكثر من شهرين، كثفت روسيا هجماتها الليلية بالطائرات المسيّرة والصواريخ على العاصمة الأوكرانية، في هجوم صيفي أنهك الدفاعات الجوية وأرهق نحو 3.7 مليون نسمة. ورغم أن بلدات أخرى في الشرق والجنوب تعاني ويلات أكبر، فإن موجة النزوح جعلت كييف أكثر اكتظاظًا، ما ضاعف الضغط على الملاجئ العامة.
العودة إلى مشاهد الحرب العالمية
مع تزايد وتيرة الضربات، تتكرر مشاهد النزوح الليلي إلى محطات المترو العميقة، في مشهد يذكر بقصف “البلتز” الألماني للندن خلال الحرب العالمية الثانية. وتشير إحصاءات مترو كييف إلى تسجيل 165 ألف زيارة ليلية في يونيو، مقارنة بـ65 ألفًا في مايو، و33 ألفًا فقط في يونيو من العام الماضي.
أطفال يتأقلمون مع الرعب
كان الطفل إيميل يصاب بنوبات ذعر فور سماع صافرات الإنذار، مرددًا: “ماما، الممر، الممر، أنا خائف”، إلا أن تكرار التجربة جعله يتعامل معها بهدوء أكبر. تقول والدته: “كنا نأتي مرة في الشهر، أما الآن فنلجأ إلى المترو مرتين أو ثلاثًا في الأسبوع”.
آثار نفسية وصحية مقلقة
يفتح علماء النفس النار على تأثيرات هذه التجربة القاسية على سكان كييف، خصوصًا الأطفال. تقول الأخصائية كاترينا هولتسبرغ إن الحرمان من النوم يُسبب تقلبات مزاجية، توترًا حادًا، وتدهورًا في الوظائف الإدراكية. وأكدت دراسة نشرت في مجلة European Journal of Psychotraumatology عام 2024 أن 88٪ من الأوكرانيين يعانون من اضطرابات النوم.
الأرق يهدد الاقتصاد والقدرة على القتال
تشير أبحاث معهد RAND الأميركي إلى أن قلة النوم تضعف الإنتاجية وتؤثر على أداء الجنود، ما يشكل خطرًا مضاعفًا في ظل الحرب. وأوضحت خبيرة النوم ويندي تروكسل أن خسائر الاقتصاد الأميركي بسبب الأرق وصلت إلى 411 مليار دولار سنويًا، فما بالنا في دولة تعيش حالة حرب.
البحث عن بدائل آمنة
مع تصاعد القلق، بدأ البعض بشراء مراتب قابلة للنفخ ومعدات للنوم تحت الأرض. وسجّلت متاجر مثل JYSK زيادة بنسبة 25٪ في مبيعات هذه المنتجات خلال ثلاثة أسابيع من يونيو. أما البعض الآخر، مثل كاترينا ستوروجوك، فاختار حلولًا أكثر تطرفًا، حيث استثمرت أكثر من 2000 دولار في “كبسولة حياة” فولاذية مصفحة تنام فيها ليلًا برفقة كلبها الصغير.
في النهاية، وفي ظل استمرار الغارات الجوية الروسية، تحولت محطات المترو في كييف من مجرد وسيلة نقل إلى ملاجئ ليلية وأماكن للنجاة. وبينما يحاول السكان التكيّف مع واقع مرير مليء بالخوف والحرمان من النوم، يظل الأمل في نهاية قريبة لهذا الكابوس هو ما يدفعهم للاستمرار. فصوت الانفجارات قد يخفت يومًا، لكن آثارها النفسية والصحية ستبقى محفورة في ذاكرة جيل كامل، لا يزال يبحث عن لحظات من الأمان في عمق الأرض.