في خطوة تهدف إلى احتواء التوتر الطائفي في محافظة السويداء، بدأت الحكومة السورية يوم الإثنين بإجلاء عشرات العائلات البدوية التي كانت عالقة داخل المدينة، بعد أسبوع من الاشتباكات الدامية بين ميليشيات درزية ومقاتلين من العشائر السنية البدوية.
مواجهات دامية وعمليات انتقامية
اندلعت الاشتباكات بعد سلسلة من عمليات الخطف والاغتيالات المتبادلة بين الطرفين، لتتحول لاحقًا إلى مواجهات واسعة النطاق أودت بحياة مئات الأشخاص، بحسب ما ذكرته منظمات حقوقية. التصعيد تخللته هجمات طائفية استهدفت أبناء الطائفة الدرزية، تبعتها عمليات انتقام ضد البدو، مما عمق الشرخ بين المكونين.
إسرائيل تدخل على الخط
في تطور لافت، نفذت إسرائيل عدة غارات جوية في محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية، استهدفت قوات حكومية سورية يعتقد أنها دعمت المقاتلين البدو في النزاع. وعلى الرغم من نفي الجيش الإسرائيلي علمه بهذه الضربات، إلا أن مصادر محلية أفادت بسماع طائرات ومروحيات إسرائيلية فوق القرى المتأثرة بالاشتباكات.
عملية الإجلاء: 1500 بدوي يغادرون المدينة
أعلنت وكالة الأنباء الرسمية السورية (سانا) أن الحكومة نسقت مع مسؤولين محليين لإرسال حافلات لنقل نحو 1500 شخص من عائلات البدو خارج المدينة. ورافق العملية فرق من الهلال الأحمر العربي السوري وسيارات إسعاف، فيما غادرت بعض العائلات على متن شاحنات محملة بأغراضهم الشخصية.
وأكد وزير الداخلية السوري، أحمد الدلاتي، أن الهدف من العملية هو “فرض طوق أمني حول السويداء لحمايتها”، وأضاف أن الجهود مستمرة للوصول إلى وقف إطلاق نار شامل، وتهيئة الظروف لعودة المدنيين النازحين إلى مناطقهم.
مصير المعتقلين.. وملامح اتفاق جزئي
في المقابل، لم تفصح السلطات عن تفاصيل الاتفاق الأوسع الذي يجري التفاوض حوله، خاصة بعد فشل صفقة تبادل الأسرى مساء السبت.لكن، وبحسب ما أفاد به المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد تضمن الاتفاق شروطًا أساسية تشير إلى رغبة الأطراف في خفض التصعيد.
من أبرز هذه الشروط، إطلاق سراح النساء الدرزيات اللواتي تم احتجازهن خلال الاشتباكات، بالإضافة إلى انسحاب كامل للمقاتلين البدو من محافظة السويداء. وينظر إلى هذه البنود على أنها خطوة مبدئية نحو تهدئة التوتر، رغم أن الأوضاع ما زالت قابلة للانفجار في حال تعثرت جهود التهدئة.
وبالفعل، انسحب المقاتلون البدو من المدينة مساء الأحد، وتجمعوا في أطرافها بالتنسيق مع القوات الأمنية التي فرضت طوقًا مشددًا. كما دخلت قافلة مساعدات إنسانية تضم 32 شاحنة تابعة للهلال الأحمر إلى المدينة، في حين تم منع قافلة حكومية أخرى من دخولها.
انقسام داخل الطائفة الدرزية
في سياق سياسي متصل، حاول الرئيس السوري المؤقت، أحمد الشرع، التقرب من الطائفة الدرزية، منتقدًا بشدة الفصائل الموالية للشيخ حكمت الهجري، والتي شاركت بقوة في المعارك. ورغم أن الشرع يحظى بدعم دروز كثر، فإن حالات القتل وتدنيس الرموز الدينية زادت من حالة الريبة داخل الطائفة.
يُذكر أن الطائفة الدرزية في سوريا تمثل أكبر تجمع درزي في العالم، إذ يعيش أكثر من نصف المليون درزي في البلاد، بينما يتوزع الباقون بين لبنان وإسرائيل، بما في ذلك هضبة الجولان المحتلة.
في النهاية، تسلط التطورات الأخيرة في السويداء الضوء على الهشاشة الأمنية والطائفية التي لا تزال تهدد النسيج المجتمعي في سوريا بعد سنوات من الحرب. ورغم بدء عمليات الإجلاء ومساعي التهدئة، إلا أن غياب اتفاق واضح وشامل قد يعيد إشعال المواجهات في أي لحظة.