تجذب تقنية وكلاء الذكاء الاصطناعي اهتمامًا واسعًا حول العالم، وسط وعود بتغييرات جذرية في طريقة إدارة الأعمال واتخاذ القرار. لكن، وفي خضم هذا الزخم، حذر تقرير حديث صادر عن شركة جارتنر (Gartner) من تحديات خطيرة قد تعيق تطور هذه التقنية في السنوات القادمة.
وفقًا لما أورده التقرير، فإن أكثر من 40% من مشاريع وكلاء الذكاء الاصطناعي قد تُلغى بحلول نهاية عام 2027. ويعود ذلك إلى عدة أسباب رئيسية، تبدأ بالتكاليف المرتفعة لتنفيذ هذه المشاريع، وتليها مشكلة ضعف العائد الاستثماري المتوقع. بالإضافة إلى ذلك، تعاني الكثير من المؤسسات من غياب رؤية تجارية واضحة لهذه التقنية، إلى جانب افتقارها إلى آليات فعالة لإدارة المخاطر، مما يجعل الاستمرار في هذه المبادرات أمرًا محفوفًا بالتحديات.
لماذا تُعد هذه التحديات مقلقة؟
خلال السنوات الأخيرة، ضخت شركات كبرى مثل أمازون وأوراكل وسيلزفورس استثمارات ضخمة في وكلاء الذكاء الاصطناعي، وهي أنظمة قادرة على تنفيذ المهام واتخاذ قرارات دون إشراف بشري مباشر. كان الهدف من هذه الاستثمارات تحسين الكفاءة وتقليل التكاليف التشغيلية.
لكن تقرير جارتنر يكشف عن ظاهرة تُعرف باسم “غسيل الوكلاء” (Agent Washing)، حيث تقوم بعض الشركات بإعادة تسمية روبوتات الدردشة والمساعدين الافتراضيين على أنهم “وكلاء ذكاء اصطناعي”، رغم افتقارهم للخصائص الحقيقية لهذه الأنظمة. وتشير التقديرات إلى أن فقط 130 شركة من آلاف الشركات التي تدّعي تقديم حلول في هذا المجال، تملك فعليًا أنظمة قادرة على تقديم قيمة ملموسة.
تجارب مبكرة دون تطبيق فعلي
أوضح التقرير أن معظم مشاريع وكلاء الذكاء الاصطناعي الحالية ما زالت في مرحلة الاختبار أو “إثبات المفهوم”، وتُطلق في الغالب لأسباب تسويقية أكثر من كونها استجابة لحاجة حقيقية. كما تعاني المؤسسات من صعوبة تقييم التكلفة الحقيقية والتعقيد المرتبط بتطبيق هذه الأنظمة على نطاق واسع.
وأشارت أنوشري فيرما، مديرة التحليل في جارتنر، إلى أن العديد من المبادرات تتوقف قبل أن تصل إلى مرحلة الإنتاج الكامل، مما يستدعي قرارات استراتيجية مدروسة عند تبني هذه التقنية.
استثمارات حذرة وسوق متردد
في استطلاع أجرته جارتنر خلال يناير 2025، وشارك فيه أكثر من 3,400 شخص من المهنيين، تبين ما يلي:
- 19% من المشاركين أكدوا أن مؤسساتهم بدأت بالاستثمار في وكلاء الذكاء الاصطناعي بحذر.
- 42% اعتمدوا نهجًا أكثر تحفظًا في الاستثمار.
- 31% لم يقرروا بعد وفضلوا الانتظار والترقب.
- 8% لم يستثمروا على الإطلاق.
تشير هذه البيانات إلى أن الكثير من المؤسسات لا تزال مترددة، وتتعامل مع التقنية بقدر عالٍ من الحذر، خاصة في ظل غياب رؤية واضحة للعائد المتوقع.
نظرة مستقبلية: هل ما زالت الفرصة قائمة؟
رغم التحديات الحالية، يرى التقرير أن مستقبل وكلاء الذكاء الاصطناعي يحمل فرصًا مهمة. فبحلول عام 2028، من المتوقع أن:
- يتم اتخاذ 15% من قرارات العمل اليومية بواسطة وكلاء ذكاء اصطناعي، مقابل 0% في 2024.
- تتضمن 33% من تطبيقات برمجيات المؤسسات هذه التقنية، مقارنة بأقل من 1% في 2024.
لكن يبقى النجاح مرهونًا بقدرة المؤسسات على تجاوز التحديات، خصوصًا ما يتعلق بالتكلفة، والنضج التقني، وتقديم قيمة تجارية واضحة.
توصيات الخبراء: كيف يمكن تحقيق القيمة الفعلية؟
يشدد خبراء جارتنر على أن نجاح وكلاء الذكاء الاصطناعي لا يأتي من مجرد تبني التقنية، بل من القدرة على:
- تحقيق عائد استثماري ملموس
- دمج الوكلاء بسلاسة في أنظمة العمل القائمة
- إعادة تصميم سير العمل ليتماشى مع قدرات الوكلاء
- التركيز على تحسين الإنتاجية الكلية للمؤسسة بدلًا من المهام الفردية
كما توصي أنوشري فيرما بالبدء باستخدام الوكلاء في المهام التي تتطلب قرارات مستقلة، أو في أتمتة المهام الروتينية، وهو ما يساعد في تحرير الموظفين للتركيز على أعمال ذات قيمة أكبر.
بين الضجيج والواقع
في النهاية، يبعث تقرير جارتنر برسالة واضحة: تقنية وكلاء الذكاء الاصطناعي ما زالت في مرحلة التكوين، ويجب التعامل معها بواقعية. فبينما تعِد هذه التقنية بتغيير جذري في عالم الأعمال، فإن النجاح الحقيقي لن يتحقق إلا للمؤسسات التي تعتمد على رؤية استراتيجية واقعية، وتقييم دقيق للعوائد، بدلًا من الانسياق خلف العناوين الرنانة.