شهد قطاع غزة أحد أكثر الأيام دموية منذ بدء الحرب، إذ قُتل ما لا يقل عن 85 فلسطينيًا أثناء محاولتهم الوصول إلى مساعدات غذائية، بحسب ما أعلنت وزارة الصحة في غزة. هذه الحادثة المأساوية تزامنت مع توسيع إسرائيل لأوامر الإخلاء، ما زاد من تعقيد الوضع الإنساني المتدهور أصلًا في القطاع.
تصعيد في شمال غزة: إطلاق نار وسط جموع المدنيين
أفادت مصادر طبية بأن غالبية الضحايا سقطوا شمال قطاع غزة، حيث أُطلقت النيران على حشود كانت تتجه نحو معبر “زيكيم” للحصول على مساعدات غذائية. وأشارت وكالة الأمم المتحدة لبرنامج الغذاء العالمي إلى أن 25 شاحنة مساعدات وصلت بالفعل، لكن الجوعى تجمعوا بأعداد هائلة ما أدى إلى حالة من الفوضى.
وفقًا لمسؤول في الأمم المتحدة، لم يصرح له بالحديث للإعلام، فإن القوات الإسرائيلية أطلقت النار على المدنيين الذين اقتربوا من قافلة المساعدات، فيما أظهرت لقطات مصورة رجالًا فلسطينيين يفرون تحت وابل من الرصاص.
قال إيهاب الزي، أحد الناجين من الحادثة، إنهم فوجئوا بالدبابات تحاصرهم فجأة بينما كانت الطلقات والقذائف تتساقط من كل اتجاه. وأضاف بصوت يملؤه اليأس أن الحصار استمر لساعتين كاملتين، وسط مشهد من الفوضى والدمار. وتابع قائلاً بحزن: “لن أعود مجددًا. دعونا نموت من الجوع، فهو أهون من هذا الرعب.”
أوامر إخلاء جديدة تمتد إلى دير البلح
في تحول مقلق، أصدرت القوات الإسرائيلية أوامر إخلاء جديدة شملت مناطق في وسط قطاع غزة، وخاصة مدينة دير البلح، والتي كانت تعد سابقًا من المناطق الأكثر أمنًا نسبيًا. قطع هذا القرار طرق الوصول الحيوية بين دير البلح ورفح وخان يونس.
عبر السكان عن صدمتهم الكبيرة من قرار الإخلاء الجديد، خاصة أن دير البلح كانت تعتبر من المناطق الأكثر أمنًا نسبيًا. ومع اتساع رقعة الأوامر لتشمل نصف المدينة، سادت حالة من الارتباك بين العائلات. وبينما كانت الأسر تهم بجمع ممتلكاتها، تساءل أحد السكان بقلق واضح: “كل رفح أصبحت تحت الإخلاء، والآن نصف دير البلح؟ إلى أين نذهب؟”. وقد أكدت الأمم المتحدة أنها على تواصل مع السلطات الإسرائيلية لتحديد ما إذا كانت منشآتها مشمولة في أوامر الإخلاء.
إغلاق عيادات ومقار إنسانية
ذكرت مؤسسة “الطبابة من أجل الفلسطينيين” أن عدة منظمات إغاثية أبلغت بوجوب الإخلاء الفوري، ما أدى إلى إغلاق تسع عيادات طبية، من بينها عيادة تديرها المنظمة. لم يعرف على الفور عدد المنظمات المتأثرة بالقرار. في المقابل، دعا المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي المدنيين إلى التوجه نحو منطقة “المواصي”، التي حددها كمنطقة إنسانية آمنة، رغم افتقارها إلى البنية التحتية والخدمات الأساسية.
استمرار القصف في الجنوب وسقوط مزيد من الضحايا
في مدينة رفح جنوب غزة، أطلقت القوات الإسرائيلية النار على مدنيين قرب موقع تابع لمؤسسة غزة الإنسانية المدعومة من واشنطن وتل أبيب، ما أسفر عن مقتل ستة أشخاص آخرين، وفق ما ذكره مسؤولون صحيون. وفي خان يونس، قتل سبعة فلسطينيين كانوا يحتمون في خيام، من بينهم طفل يبلغ من العمر خمس سنوات.
أزمة إنسانية متفاقمة: القطاع على شفا المجاعة
مع اقتراب عدد القتلى الفلسطينيين من 59 ألفًا، وفق إحصاءات وزارة الصحة في غزة، يعيش سكان القطاع البالغ عددهم أكثر من مليوني نسمة كارثة إنسانية غير مسبوقة. باتوا يعتمدون بشكل شبه كامل على المساعدات الشحيحة المسموح بدخولها.
في مشهد مؤلم، انطلقت صفارات الإنذار أمام ثلاثة مستشفيات كبرى في غزة في نداء عاجل، بينما رفع الأطباء لافتات تسلط الضوء على نقص الأدوية وسوء تغذية الأطفال.
انتقادات داخل إسرائيل: إلى أين تتجه الحرب؟
وسط تصاعد العمليات، عبر منتدى عائلات الأسرى الإسرائيليين عن رفضه للتوسع العسكري الجديد، ووجه انتقادات لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، داعيًا إلى إنهاء الحرب والتوصل إلى اتفاق يعيد جميع الرهائن. كما شهدت تل أبيب تظاهرة حاشدة مساء السبت، شارك فيها عشرات الآلاف أمام مقر السفارة الأميركية، مطالبين بوقف الحرب فورًا.
في النهاية، يتواصل المشهد المأساوي في قطاع غزة مع تزايد أعداد القتلى، وتدهور الوضع الإنساني، وتضييق الخناق على المدنيين بفعل أوامر الإخلاء المتكررة. وبينما تستمر المفاوضات في الدوحة، يظل السؤال مفتوحًا: هل تنتهي هذه المعاناة في ظل غياب حلول جذرية وشاملة؟