في ظل التحديات الجيوسياسية المتصاعدة، تتجه ألمانيا بخطى متسارعة نحو إعادة بناء قوتها الدفاعية، مستفيدة من الابتكار التكنولوجي والذكاء الاصطناعي. تأسيس شركات ناشئة مثل “Helsing” يعكس هذا التحول، إذ تضاعفت قيمتها لتبلغ 12 مليار دولار، في وقت تسعى فيه برلين لتقليص اعتمادها على الولايات المتحدة في مجالات التسليح والدفاع.
كيف غير غزو أوكرانيا معادلة الاستثمار في الدفاع
أوضح غوندبرت شيرف، الشريك المؤسس لشركة “Helsing”، أن الحرب الروسية الأوكرانية شكلت نقطة تحول جذري. إذ باتت أوروبا، ولأول مرة منذ عقود، تنفق أكثر من الولايات المتحدة على تكنولوجيا الدفاع. هذا الزخم الجديد جعل من الممكن تسريع تمويل المشاريع الناشئة ودمجها ضمن خطط التسليح الفيدرالية الألمانية.
خطة طموحة لزيادة ميزانية الدفاع
تعتزم ألمانيا رفع ميزانيتها الدفاعية إلى نحو 162 مليار يورو سنويًا بحلول عام 2029. هذه الميزانية الضخمة ستركز على تطوير تقنيات المستقبل، مثل الروبوتات القتالية، الغواصات ذاتية القيادة، وصراصير تجسس مزودة بكاميرات دقيقة.
ثورة في السياسات البيروقراطية
من أجل تمكين الشركات الناشئة من المنافسة، صادقت حكومة المستشار فريدريش ميرتس على مشروع قانون جديد يمنح تلك الشركات دفعات مسبقة ويمنح الأفضلية للموردين الأوروبيين. هذه الخطوات تسهم في تقليل اعتماد السوق على الشركات الكبرى مثل “Rheinmetall” و”Hensoldt”.
الذكاء الاصطناعي العسكري: بين الرؤية والتطبيق
أعلنت وزارة الدفاع الألمانية أن دمج الذكاء الاصطناعي والطائرات المسيرة بات أولوية. وأكدت أن هذه التقنيات تحدث تحولًا شبيهًا بإدخال المدافع الرشاشة والطائرات في القرن الماضي. وتعمل شركات مثل “ARX Robotics” على تصميم روبوتات مستقلة يمكن نشرها ميدانيًا.
صراصير تجسس: حين يصبح الخيال واقعًا
شركة “Swarm Biotactics” طورت ما يعرف بـ”الصراصير السيبورغ”، وهي كائنات حية مزودة بأجهزة استشعار وتكنولوجيا توجيه لاسلكية، تُمكنها من جمع معلومات استخباراتية في مناطق يصعب الوصول إليها. ويقول ستيفان فيلهلم، المدير التنفيذي للشركة، إن هذه الصراصير قادرة على العمل بشكل مستقل أو ضمن أسراب.
تحول اجتماعي في نظرة الألمان للدفاع
يشير سفين فيتزينغر، رئيس مركز الابتكار السيبراني التابع للجيش، إلى تغير واضح في المزاج المجتمعي، إذ أصبح الدفاع يُنظر إليه كأولوية وطنية. الطلبات اليومية لتطوير حلول أمنية جديدة ارتفعت من اثنين أسبوعيًا في 2020 إلى أكثر من عشرين يوميًا حاليًا.
الاستثمار في الابتكار العسكري
بعد عقود من التراجع، باتت ألمانيا تحتضن ثلاث شركات دفاعية ناشئة بقيمة تتجاوز مليار دولار، من بينها “Quantum Systems” لصناعة الطائرات بدون طيار. كما ارتفعت الاستثمارات في تكنولوجيا الدفاع الأوروبية إلى مليار دولار في 2024، ومن المتوقع أن تواصل نموها هذا العام.
هل يصبح قطاع الدفاع محركًا اقتصاديًا جديدًا؟
مع تباطؤ صناعة السيارات، تستعد الشركات الصغيرة والمتوسطة في ألمانيا، المعروفة بـ”القطاع المتوسط”، للعب دور محوري في تصنيع مكونات عسكرية متقدمة. فشركات مثل “Donaustahl” باتت تستقطب مهندسين من قطاع السيارات، مما يعزز التكامل بين الابتكار الصناعي والدفاعي.
مستقبل الأمن الأوروبي بين الطموح والتحديات
رغم التقدم، لا تزال التحديات قائمة. تفتقر أوروبا إلى سوق دفاعية موحدة مثل الولايات المتحدة، ما يعوق نمو الشركات الناشئة. غير أن التوجه الألماني نحو تسريع المشتريات وتذليل العقبات التنظيمية قد يشكل نموذجًا يُحتذى به على مستوى القارة.