في خطوة تعكس تحولًا إستراتيجيًا في رؤية شركة ميتا، أعلن مارك زوكربيرج عن مشروع طموح بعنوان الذكاء الفائق الشخصي، وهو المفهوم الذي يرى فيه مستقبل الذكاء الاصطناعي كأداة لتمكين الأفراد، لا استبدالهم.
استثمارات ضخمة في بنية الذكاء الاصطناعي
تعتزم ميتا استثمار ما بين 66 و72 مليار دولار خلال عام 2025 فقط في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي. الإعلان جاء بالتزامن مع الكشف عن نتائج الشركة المالية للربع الثاني من العام، والتي أظهرت توسعًا واضحًا في توظيف الكفاءات وتطوير البنية التكنولوجية.
لمحات من الذكاء القادر على تطوير نفسه
أشار مارك زوكربيرج، في مذكرة رسمية، إلى تطور لافت في أداء أنظمة ميتا. كما كتب يقول إن الأشهر الأخيرة كشفت عن إشارات واضحة على قدرة هذه الأنظمة على تحسين نفسها تلقائيًا. ورغم أن وتيرة هذا التحول ما تزال بطيئة، إلا أنه اعتبرها حتمية في مسار التطور. وبحسب تعبيره، فإن الذكاء الفائق لم يعد بعيدًا، بل أصبح أقرب مما يتصور الكثيرون.
إطلاق وحدة متخصصة: Superintelligence Labs
ضمن هذا التوجه، أسست ميتا وحدة جديدة تحمل اسم الذكاء الفائق (Superintelligence Labs)، بهدف تطوير النماذج الأساسية المتقدمة في الذكاء الاصطناعي. وقد شملت الجهود استثمارًا ضخمًا بقيمة 14.3 مليار دولار في شركة Scale AI، واستقطاب مديرها التنفيذي، ألكسندر وانغ، للعمل ضمن فريق ميتا.
أولوية قصوى في الإنفاق والتوظيف
أكدت المديرة المالية سوزان لي أن المصروفات التشغيلية المتوقعة لميتـا في عام 2025 ستتراوح بين 114 و118 مليار دولار، يُخصص معظمها لمبادرات الذكاء الاصطناعي. كما تخطط الشركة لزيادة التوظيف في المجالات الحيوية، مع تقديم عروض مالية ضخمة لاستقطاب أبرز المواهب من شركات مثل آبل وOpenAI.
رؤية ميتا: تمكين الإنسان وليس استبداله
وجه مارك زوكربيرج انتقادًا لبعض منافسيه في مجال الذكاء الاصطناعي، مشيرًا إلى أنهم يركزون على أتمتة الأعمال وجعل البشر يعتمدون كليًا على مخرجات هذه الأنظمة. في المقابل، شدد على أن ميتا تتبنى رؤية مختلفة تمامًا. ووفقًا لما قاله، فإن هدف الشركة يتمثل في تمكين الأفراد وتعزيز قدراتهم الشخصية من خلال الذكاء الفائق. وأضاف موضحًا: “يرى المنافسون أن البشر سيعيشون على مخرجات الذكاء الاصطناعي، أما نحن فنرى العكس تمامًا”.
النظارات الذكية: مستقبل الحوسبة الشخصية
يتوقع زوكربيرج أن تصبح الأجهزة الشخصية، مثل النظارات الذكية، هي المنصة الحوسبية المستقبلية، بفضل قدرتها على فهم السياق من خلال الرؤية والسمع. ويرى أن هذا النوع من الأجهزة سيعزز من تفاعل الذكاء الفائق مع المستخدمين بشكل أكثر طبيعية وواقعية.
الذكاء الفائق بين التمكين والمخاطر
رغم دفاعه عن توفير الذكاء الفائق على نطاق واسع، أقر زوكربيرج بأن هذه التقنية ستفرض تحديات أمنية جديدة. وأكد على ضرورة وضع معايير صارمة لضمان السلامة، لا سيما في ما يتعلق بإتاحة النماذج مفتوحة المصدر.
سؤال المستقبل: من يملك السيطرة؟
في ختام مذكرته، أطلق مارك زوكربيرج تساؤلًا جوهريًا حول مستقبل الذكاء الاصطناعي. وأكد أن العالم يمر الآن بلحظة حاسمة ستحدد شكل العلاقة بين الإنسان والتقنية المتقدمة. ومن وجهة نظره، يتمثل التحدي الحقيقي في معرفة ما إذا كان الذكاء الفائق سيصبح أداة لتمكين الإنسان وتحقيق تطلعاته، أم أنه سيتحول إلى قوة تزيح البشر من المشهد وتعيد تشكيل المجتمع بطرق غير متوقعة.
في النهاية، تكشف رؤية مارك زوكربيرج حول الذكاء الفائق الشخصي عن تحول جذري في إستراتيجية ميتا، حيث تسعى الشركة إلى بناء مستقبل يرتكز على تمكين الإنسان بدلًا من استبداله. وبينما تتسابق كبرى الشركات التقنية لتطوير نماذج ذكاء أكثر تطورًا، تطرح ميتا مقاربة مختلفة تُركز على الارتباط الشخصي، والنمو الفردي، وتجارب المستخدم الواقعية. ومع استمرار الاستثمار في البنية التحتية والمواهب، يبدو أن السنوات القادمة ستشهد صراعًا محتدمًا حول من يملك زمام الذكاء الفائق، والأهم: كيف سيُستخدم، ولصالح من؟