أظهرت بيانات حديثة أن وتيرة نمو القطاع الخاص غير النفطي في دولة الإمارات سجلت أدنى مستوى لها منذ أكثر من أربع سنوات خلال يوليو الماضي، متأثرة بالتوترات الجيوسياسية التي ضغطت على الطلب المحلي والخارجي.
ووفقًا لمؤشر مديري المشتريات (PMI) الصادر عن S&P Global، تراجع المؤشر إلى 52.9 نقطة في يوليو، مقارنة بـ53.5 نقطة في يونيو، وهو أدنى مستوى له منذ يونيو 2021. ورغم بقائه فوق حاجز الـ50 نقطة، الذي يفصل بين النمو والانكماش، إلا أن وتيرة التوسع جاءت أضعف من المتوسط طويل الأجل.
وأشار ديفيد أوين، كبير الاقتصاديين في S&P Global Market Intelligence، إلى أن “أحجام الطلبات الجديدة ساهمت في دعم التوسع، لكنها في تراجع مستمر”، مضيفًا أن “أي انفراج محتمل في التوترات الإقليمية قد يؤدي إلى انتعاش نمو المبيعات خلال الأشهر المقبلة”.
عوامل التباطؤ في الإمارات
تأثر الأداء الاقتصادي في الإمارات بعدة عوامل متداخلة، أبرزها تراجع إنفاق العملاء نتيجة تصاعد المخاوف الجيوسياسية، ما أدى إلى حالة من الحذر في اتخاذ قرارات الشراء. في الوقت نفسه، انخفض النشاط السياحي بشكل ملحوظ، تزامنًا مع تعطل سلاسل التجارة التي أثّرت على حركة السلع والخدمات. كما شهدت الصادرات تراجعًا واضحًا، نتيجة ضعف الطلب الخارجي، ما أضاف مزيدًا من الضغوط على الشركات العاملة في السوق.
ورغم ضعف الطلب، واصلت الشركات الإماراتية زيادة الإنتاج لتجنب تراكم الأعمال غير المنجزة. لكن معدل التوظيف شهد أبطأ وتيرة نمو منذ أربعة أشهر، مع استمرار التحديات في تسليم الأعمال في الوقت المحدد.
وعلى صعيد الأسعار، سجلت التكاليف التشغيلية ارتفاعًا طفيفًا، ما دفع بعض الشركات إلى رفع أسعار البيع بشكل محدود. ومع ذلك، ظل التفاؤل قائمًا بشأن النشاط المستقبلي، مدفوعًا بآمال تحسن مستويات الطلب، على الرغم من استمرار حالة عدم اليقين العالمي وزيادة المنافسة.
دبي تسجل تعافيًا قويًا
في المقابل، شهد القطاع غير النفطي في دبي انتعاشًا ملحوظًا، حيث ارتفع مؤشر PMI إلى 53.5 نقطة في يوليو، مقابل 51.8 نقطة في يونيو، مدفوعًا بزيادة ملحوظة في حجم المبيعات.
الاقتصاد السعودي يحافظ على زخمه رغم تباطؤ النمو
في السعودية، أظهر تقرير مؤشر مديري المشتريات الصادر عن بنك الرياض أن القطاع غير النفطي واصل نموه القوي خلال يوليو، رغم التراجع الطفيف في وتيرة التوسع مقارنة بالشهر السابق.
وسجل المؤشر 56.3 نقطة في يوليو، منخفضًا من 57.2 نقطة في يونيو، لكنه ظل أعلى بكثير من مستوى النمو البالغ 50 نقطة. وأكد نايف الغيث، كبير الاقتصاديين في بنك الرياض، أن “اقتصاد السعودية غير النفطي واصل نموه القوي بدعم من ارتفاع الإنتاج والطلبات الجديدة واستمرار التوظيف”.
التوظيف يقود النمو
قامت الشركات بتوظيف المزيد من العمالة لمواكبة زيادة الأعمال، في ظل تسجيل ارتفاع تاريخي في التوظيف، يُعد من أعلى المعدلات خلال 14 عامًا، مدفوعًا بقوة الطلب المحلي.
لكن رغم استمرار التوسع، سجل نمو الإنتاج في السعودية أبطأ وتيرة له منذ يناير 2022. ويُعزى هذا التباطؤ إلى عدة تحديات متراكمة؛ إذ ارتفعت حدة المنافسة داخل السوق، مما زاد الضغط على الشركات للحفاظ على حصصها. بالإضافة إلى ذلك، تراجع إقبال العملاء، ما أثر سلبًا على حجم المبيعات. كما انخفضت طلبات التصدير للمرة الأولى منذ تسعة أشهر، ما يعكس صعوبة في جذب العملاء الدوليين وسط التقلّبات الاقتصادية العالمية.
وفيما خفت ضغوط التكاليف التشغيلية قليلًا، واصلت تكاليف الأجور الارتفاع بشكل حاد، إذ اضطرت الشركات إلى تقديم حوافز مالية للاحتفاظ بالموظفين. ورغم هذا التباطؤ النسبي، عبرت الشركات السعودية عن تفاؤلها بالأنشطة المستقبلية، مستندة إلى متانة السوق واستمرار الطلب القوي، إلا أن مستوى التفاؤل الإجمالي كان الأدنى منذ يوليو 2024.
في النهاية، يكشف تقريرا الإمارات والسعودية عن مزيج من الفرص والتحديات في اقتصادات الخليج غير النفطية، حيث تعيق التوترات الإقليمية والتقلبات العالمية بعض مؤشرات النمو، لكن استمرار التوظيف وتحسن المبيعات في بعض القطاعات يبعث على التفاؤل في الأجل المتوسط. ويظل مؤشر مديري المشتريات أداة رئيسية لفهم ديناميكيات الاقتصاد الخليجي وسط تحولات جيوسياسية واقتصادية مستمرة.