في قطاع غزة المنكوب، لا تتوقف المعاناة عند حدود الجوع، بل تمتد إلى العطش القاتل. آلاف العائلات تقضي ساعات يوميًا في البحث عن المياه، في وقت لا تكفي فيه الكميات المتوفرة لتلبية الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية للعيش.
مؤسسات الإغاثة تؤكد أن أزمة المياه في غزة لا تقل خطورة عن أزمة الغذاء، في ظل بنية تحتية مدمرة، وآبار مالحة ومختلطة بمياه الصرف والمواد الكيميائية، ما ينذر بكارثة صحية وبيئية.
مياه ملوثة وانتشار للأمراض
تعتمد معظم الأسر في غزة على المياه المستخرجة من خزان جوفي مالح ملوث بفعل تسرب مياه الصرف الصحي والأنقاض. وقد ساهم هذا التلوث في تفشي أمراض خطيرة مثل الإسهال والتهاب الكبد الوبائي، وفقًا لتقارير من منظمة أوكسفام الإنسانية.
وبالرغم من تشغيل بعض محطات التحلية الصغيرة التابعة للمنظمات الدولية، تبقى الكميات المنتجة غير كافية. وفي المقابل، يؤكد سكان محليون أن أنابيب المياه القادمة من إسرائيل متوقفة، رغم مزاعم الأخيرة بتزويد غزة بملايين الليترات يوميًا.
بنية تحتية مدمرة وشح الوقود
منذ بداية الحرب، أوقفت إسرائيل إمدادات المياه والكهرباء بالكامل، ثم استأنفتها جزئيًا لاحقًا. إلا أن شبكة الأنابيب مدمرة إلى حد كبير، ومحطات الضخ تعمل بقدرة محدودة نتيجة انقطاع الوقود، ما يزيد من صعوبة توفير المياه للمدنيين.
حكايات من أرض العطش
في مدينة دير البلح، يقطع الشاب معاذ مخيمر يوميًا أكثر من كيلومتر، ثلاث مرات في اليوم، لسحب المياه لعائلته المكونة من 20 شخصًا. يقول “أحيانًا ننتظر أكثر من ساعتين في الطابور، والمياه التي نحملها غير صالحة للشرب، لكنها الخيار الوحيد للغسيل والتنظيف.” أما والدته، أم معاذ، فتشير إلى معاناة الأطفال قائلة: “الحر شديد، والأطفال لا يتوقفون عن طلب الماء… لا نعلم إن كنا سنتمكن من تعبئة الماء غدًا.”
أقل من 5 لترات يوميًا للفرد
تشير معايير الأمم المتحدة إلى أن الحد الأدنى من استهلاك المياه في حالات الطوارئ هو 15 لترًا يوميًا للفرد. لكن في غزة، يستهلك الفرد حاليًا ما بين 3 إلى 5 لترات فقط، وفق بيانات أوكسفام. في المقابل، يبلغ استهلاك الفرد في إسرائيل حوالي 247 لترًا يوميًا.
الأطفال يحملون عبء العطش
مع انشغال الأهل بالبحث عن الغذاء، يتحول الأطفال إلى حملة جراكن المياه. يسيرون في طرقات وعرة، أو يركضون خلف شاحنات المياه متحملين مسؤوليات تفوق أعمارهم. ويفضل البعض السباحة في مياه البحر الملوثة بسبب عدم توفر مياه الاستحمام.
حلول مؤقتة لا تكفي
يتم العمل حاليًا على مد خط مياه جديد بتمويل من دولة الإمارات، لتزويد نحو 600 ألف شخص في جنوب غزة بالمياه من محطة تحلية مصرية. لكن المشروع قد يستغرق عدة أسابيع ليبدأ العمل، بينما الأزمة تتفاقم يومًا بعد يوم.
نداء عاجل لوقف الكارثة
يؤكد جيمس إيلدر، المتحدث باسم منظمة اليونيسف، أن الجوع والعطش لم يعودا مجرد آثار جانبية للحرب، بل تحولا إلى “نتائج مباشرة وقاتلة”. أما بشری خليدي من أوكسفام، فتشدد على أن الحل يبدأ بوقف إطلاق نار فوري وفتح ممرات آمنة للمساعدات.