تستعد الحكومة السورية لإصدار أوراق نقدية جديدة بعد حذف صفرين من الليرة السورية، في محاولة لإعادة الثقة بالعملة التي فقدت أكثر من 99% من قيمتها منذ اندلاع الحرب عام 2011. مصادر مصرفية أوضحت أن هذه الخطوة تهدف إلى تسهيل المعاملات اليومية بعد الانهيار الكبير في القوة الشرائية.
خلفية الانهيار الاقتصادي
الليرة السورية كانت تُتداول عند 50 ليرة مقابل الدولار قبل الحرب، بينما يبلغ سعر الصرف اليوم نحو 10,000 ليرة للدولار الواحد. هذا التراجع الحاد جعل التعاملات المالية معقدة، حيث تحتاج العائلات إلى حمل أكياس بلاستيكية مليئة بأوراق نقدية من فئة 5,000 ليرة لتغطية مصاريف أسبوعية بسيطة.
تفاصيل الخطة النقدية
وفقاً لوثائق مسربة، أبلغ البنك المركزي السوري المصارف الخاصة منتصف أغسطس بخطته لإصدار عملة جديدة “بعد إزالة الأصفار”. الاجتماعات بهذا الخصوص ترأسها نائب محافظ البنك المركزي، مخلص الناظر، بينما لم يصدر أي تعليق رسمي من وزارة المالية أو المصرف المركزي حول التفاصيل الدقيقة.
التعاون مع روسيا لطباعة العملة
مصادر مطلعة أكدت أن دمشق أبرمت اتفاقاً مع شركة “غوزناك” الروسية المملوكة للدولة، المسؤولة عن طباعة العملات، لإنتاج الأوراق الجديدة. الاتفاق تم خلال زيارة وفد سوري رفيع المستوى إلى موسكو في يوليو الماضي.
إصلاحات نقدية ومصرفية أوسع
إلى جانب خطة حذف الأصفار، تعمل سوريا على تنفيذ إصلاحات مالية ومصرفية شاملة:
- العودة إلى نظام سويفت الدولي: حيث أعلنت عن إعادة الاتصال بالنظام العالمي للمدفوعات بعد سنوات من الانقطاع، ما قد يعزز المعاملات الدولية.
- تنويع مطابع الإصدار: تخطط دمشق لنقل عمليات طباعة العملة إلى مطابع في الإمارات وألمانيا، في خطوة تشير إلى انفتاح اقتصادي وسياسي.
- تعزيز السيولة: في مارس 2025، تسلمت البلاد شحنة نقدية مطبوعة في روسيا لتخفيف أزمة السيولة المحلية.
احتياطي الذهب والعملات الأجنبية
رغم الإصلاحات، تواجه سوريا تحدياً كبيراً بسبب ضعف الاحتياطي النقدي. وفق تقارير دولية، تمتلك البلاد نحو 26 طنًا من الذهب، لكن احتياطيات النقد الأجنبي انخفضت إلى حوالي 200 مليون دولار فقط، ما يحد من قدرة المصرف المركزي على التدخل في السوق.
أبعاد سياسية واقتصادية
إزالة صورة الرئيس السابق بشار الأسد من العملة تحمل رمزية سياسية، في وقت تتجه فيه القيادة الجديدة إلى كسر إرث خمسة عقود من حكم عائلة الأسد. ويُتوقع أن تطلق السلطات حملة توعية قبل طرح العملة رسمياً في 8 ديسمبر، تزامناً مع الذكرى الأولى لإطاحة الأسد.
فترة انتقالية وتحديات محتملة
سيتم اعتماد فترة انتقالية مدتها 12 شهراً تسمح بتداول العملة القديمة والجديدة حتى ديسمبر 2026. ومع ذلك، يحذر خبراء اقتصاديون من أن هذه الخطوة قد تُربك المستهلكين، خصوصاً كبار السن، وسط غياب خطة تنظيمية واضحة.
الخبير الاقتصادي السوري كرم شعار أوضح أن إصدار فئات نقدية أكبر، مثل 20,000 أو 50,000 ليرة، قد يكون بديلاً أقل تكلفة، حيث يمكن أن يحقق الهدف نفسه من حيث تسهيل التعاملات النقدية دون الحاجة إلى تغيير شامل للعملة.
إعادة تقييم الليرة السورية خطوة تحمل أبعاداً اقتصادية وسياسية عميقة. وبينما قد تساعد على تسهيل التعاملات اليومية واستعادة بعض الثقة، فإن نجاحها يعتمد على توافر احتياطيات كافية من النقد الأجنبي، وإصلاحات هيكلية تعزز قدرة الاقتصاد على التعافي في ظل التحديات المستمرة.