في ظل التصعيد التجاري بين الصين من جهة، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من جهة أخرى، تسعى بكين إلى تقوية روابطها الاقتصادية مع منطقة الخليج، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية. هذا التوجه يأتي في وقت تشهد فيه المفاوضات بشأن اتفاقية التجارة الحرة بين الصين ومجلس التعاون الخليجي حالة من الجمود.
محادثات رفيعة المستوى بين بكين والرياض
عقد وزير التجارة الصيني وانغ ون تاو لقاءً في بكين مع وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح، حيث ناقشا فرص توسيع التعاون التجاري والاستثماري، كما تطرقت المباحثات إلى إمكانية دمج مبادرة “الحزام والطريق” التي يقودها الرئيس الصيني شي جين بينغ مع “رؤية السعودية 2030” التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
رؤية السعودية 2030 وتقليل الاعتماد على النفط
تسعى المملكة من خلال “رؤية 2030” إلى تنويع اقتصادها وتقليل الاعتماد على النفط عبر تطوير قطاعات الصناعة، الطاقة المتجددة، والسوق المالية. وهو ما يجعل الشراكة مع الصين، صاحبة الخبرة الكبيرة في البنية التحتية والتقنيات الحديثة، فرصة لتعزيز هذه الطموحات.
تعثر مفاوضات اتفاقية التجارة بين الصين ومجلس التعاون
رغم جهود بكين للتقارب مع دول مجلس التعاون الخليجي، إلا أن المفاوضات حول اتفاقية تجارة حرة بين الجانبين لا تزال متعثرة. وأشارت تقارير إلى أن المخاوف السعودية من تدفق الواردات الصينية الرخيصة وتأثيرها على خططها الصناعية كانت من أسباب هذا التباطؤ.
مشاريع ضخمة في مجال الطاقة الخضراء
شهد التعاون السعودي الصيني نقلة نوعية مع إعلان شركة سينوبك الصينية فوزها بعقد هندسي لتطوير أكبر مشروع للهيدروجين والأمونيا الخضراء في العالم بمدينة ينبع، بالشراكة مع شركة ACWA Power السعودية. المشروع سيعتمد على مصادر الطاقة المتجددة لإنتاج 400 ألف طن من الهيدروجين الأخضر و2.8 مليون طن من الأمونيا سنويًا بحلول 2030.
توسع في البتروكيماويات
إلى جانب الطاقة المتجددة، اتفقت أرامكو السعودية مع Sinopec على توسيع مجمع ياسرف البتروكيماوي. التوسعة تشمل إنشاء وحدة تكسير بخاري بسعة 1.8 مليون طن سنويًا ومجمع أرومات بسعة 1.5 مليون طن سنويًا، في خطوة تدعم استراتيجية أرامكو “من خام إلى مواد كيميائية”.
التبادل التجاري بين الصين والسعودية
بلغت صادرات الصين إلى السعودية أكثر من 50 مليار دولار في عام 2024، وشملت منتجات متنوعة مثل الهواتف الذكية والألواح الشمسية والسيارات. وفي المقابل، ارتفعت صادرات السعودية إلى الصين لتصل إلى نحو 57 مليار دولار، حيث شكّل النفط أكثر من 80% من إجمالي هذه الصادرات. ومن خلال هذه الأرقام، يتضح أن السعودية تعتبر من الدول القليلة التي تحافظ على فائض تجاري مع الصين، مما يؤكد قوة العلاقات الاقتصادية بين الجانبين ويبرز أهميتها الاستراتيجية في المشهد التجاري العالمي.
آفاق التعاون المستقبلي
أكد الوزير الصيني على أهمية زيادة حجم التبادل التجاري، وتوسيع الاستثمارات الثنائية، إلى جانب تعزيز التعاون في مجالات الطاقة الجديدة، سلاسل الإمداد الصناعية، وأسواق رأس المال. هذه الخطوات قد تمثل ركيزة جديدة للشراكة الاستراتيجية بين الرياض وبكين في المرحلة المقبلة.
في ضوء المعطيات الحالية، يتضح أن العلاقات الاقتصادية بين السعودية والصين تدخل مرحلة أكثر عمقًا وتنوعًا، تتجاوز الاعتماد على النفط لتشمل مشاريع الطاقة المتجددة، البتروكيماويات، والاستثمارات المباشرة. ورغم تعثر اتفاقية التجارة الحرة مع مجلس التعاون، فإن الطرفين يواصلان البحث عن مسارات بديلة لتعزيز التعاون الاستراتيجي.
ومن خلال هذه الشراكات، تقترب الرياض وبكين من رسم ملامح جديدة للتعاون التجاري والاقتصادي، بما يعكس طموحات رؤية السعودية 2030 من جهة، ويخدم مساعي الصين في تعزيز حضورها بالشرق الأوسط من جهة أخرى.




