أعلنت الجمعية الدولية لعلماء الإبادة الجماعية، أكبر منظمة بحثية تضم نحو 500 خبيراً في المجال، أن السياسات الإسرائيلية في غزة ترقى إلى إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب. وقد حظي القرار بتأييد 86% من الأعضاء المصوتين، بينهم خبراء بارزون في دراسات الهولوكوست والإبادة، ما يمنحه ثقلاً أكاديمياً وسياسياً كبيراً.
خلفية القرار وتداعياته
أشار البيان إلى أن إسرائيل تتعمد حرمان سكان غزة من الغذاء والماء والوقود والمساعدات الإنسانية، كما تستهدف البنية التحتية الأساسية مثل الحقول والمخابز ومخازن الأغذية. وفي هذا السياق، وصفت الجمعية هذه السياسات بأنها تمثل “عملية تجويع جماعي” تهدف بشكل مباشر إلى إلحاق الضرر بالمدنيين. ومن جهة أخرى، أكدت رئيسة المنظمة ميلاني أوبراين، أستاذة القانون الدولي بجامعة أستراليا الغربية، أن الخبراء المتخصصين في دراسة الإبادة قادرون على إدراك حقيقة ما يحدث في غزة بوضوح.
الرد الإسرائيلي والاتهامات المتبادلة
إسرائيل نفت بشدة هذه الاتهامات، ووصفتها بأنها “افتراء معادٍ للسامية”، مشيرة إلى أن هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، الذي أدى إلى مقتل نحو 1200 شخص وخطف 251 آخرين، كان بحد ذاته “عملاً إباديًا”. ولم تصدر وزارة الخارجية الإسرائيلية ردًا رسميًا حتى الآن على قرار المنظمة.
الأوضاع الإنسانية في غزة
منذ بدء العملية العسكرية الإسرائيلية، قُتل أكثر من 63 ألف فلسطيني بحسب وزارة الصحة، بينهم عدد كبير من النساء والأطفال. وفي الوقت نفسه، أدت العمليات العسكرية إلى تدمير مساحات شاسعة وتهجير معظم سكان القطاع البالغ عددهم نحو مليوني نسمة. ومن ناحية أخرى، تؤكد الأمم المتحدة أن بيانات وزارة الصحة تعد المصدر الأكثر موثوقية، في حين تواصل إسرائيل التشكيك في هذه الأرقام من دون أن تقدم بديلاً رسمياً.
المواقف الحقوقية والدولية
في يوليو الماضي، أكدت منظمتان إسرائيليتان بارزتان، هما بيتسليم وأطباء من أجل حقوق الإنسان–إسرائيل، أن ما يحدث في غزة يرقى إلى إبادة جماعية. وفي السياق ذاته، انتقدت منظمات دولية كبرى، مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، السياسات الإسرائيلية بشكل حاد. وفي الوقت نفسه، رفعت جنوب أفريقيا دعوى ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة خرق اتفاقية الإبادة، وهي قضية يُتوقع أن يستغرق البت فيها سنوات.
دور المحكمة الدولية
المحكمة لا تملك قوة تنفيذية على الأرض، لكن في حال إخلال أي طرف بقراراتها يمكن رفع المسألة إلى مجلس الأمن الدولي. ومن خلاله، تتوفر أدوات مختلفة تبدأ بالعقوبات وقد تصل إلى الإجراء العسكري. ومع ذلك، فإن تمرير أي قرار يحتاج إلى موافقة تسع دول على الأقل، مع عدم استخدام حق الفيتو من الأعضاء الدائمين، ومن بينهم الولايات المتحدة التي تواصل الدفاع عن إسرائيل. وفي هذا السياق، كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد صرّح في وقت سابق بأنه لا يرى ما يحدث في غزة على أنه إبادة جماعية.
في النهاية، إن قرار منظمة خبراء الإبادة الجماعية يفتح فصلًا جديدًا في الجدل الدولي حول حرب غزة. وفي المقابل، تصر إسرائيل على أن هذه الاتهامات ليست سوى محاولة لتشويه صورتها على الساحة العالمية. ومع ذلك، تتعالى أصوات متزايدة من خبراء ومنظمات حقوقية دولية، مؤكدة أن ما يجري في غزة يرقى إلى جريمة إبادة جماعية تتطلب محاسبة قانونية على المستوى الدولي.