كشفت صور أقمار صناعية حديثة عن تكثيف ملحوظ في أعمال البناء داخل منشأة شمعون بيريز للأبحاث النووية في صحراء النقب، جنوب مدينة ديمونا. هذه المنشأة المرتبطة منذ عقود ببرنامج إسرائيل النووي المشتبه به، تشهد إنشاء هيكل جديد ضخم، ما يثير تكهنات بشأن طبيعته وأهدافه المحتملة.
الصور التي حللها خبراء دوليون تشير إلى أن المبنى الجديد قد يكون إما مفاعلًا ثقيل الماء أو منشأة لتجميع الأسلحة النووية. ومع الغموض الرسمي المحيط بالبرنامج النووي الإسرائيلي، لا يزال من الصعب الجزم بطبيعة المشروع بدقة.
توقيت البناء يثير الجدل في ظل التوتر مع إيران
تأتي هذه التطورات بعد أسابيع فقط من قصف مشترك نفذته إسرائيل والولايات المتحدة ضد مواقع نووية في إيران، أبرزها مفاعل آراك للماء الثقيل. ويرى مراقبون أن هذه الخطوة قد تعرض إسرائيل لانتقادات دولية، خصوصًا في ظل ما يُعتقد أنه امتلاكها ترسانة نووية، رغم عدم إعلانها رسميًا.
تحليل الخبراء: مفاعل جديد أم منشأة تجميع قنابل؟
حلل سبعة خبراء مستقلين صور الأقمار الصناعية الأخيرة، وأكدوا جميعًا ارتباط الموقع ببرنامج الأسلحة النووية الإسرائيلي. لكن رغم هذا الإجماع، انقسمت آراؤهم بشأن طبيعة المبنى الجديد قيد الإنشاء. فقد رجّح ثلاثة منهم أن يكون المرفق الجديد مفاعل ماء ثقيل، استنادًا إلى حجمه الكبير وعمق البناء تحت الأرض.
في المقابل، أشار أربعة خبراء آخرين إلى احتمال أن يكون المبنى منشأة لتجميع أو صيانة الرؤوس النووية، مؤكدين أن غياب التفاصيل الكاملة في هذه المرحلة المبكرة من البناء يصعّب إصدار حكم قاطع. من جانبه، صرح الخبير جيفري لويس من مركز جيمس مارتن للدراسات النووية بأن “الاحتمال الأقرب هو أنه مفاعل، فالتقييم يستند إلى معطيات ظرفية، لكن هذا هو نمط الأشياء في مثل هذه الحالات، والموقع وسجله التاريخي يدعمان هذا الاحتمال”.
منشأة بلا رقابة دولية وسط سياسة الغموض النووي
من اللافت أن إسرائيل لا تخضع لأي رقابة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وذلك بسبب عدم توقيعها على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. هذا الاستثناء يعزز حالة الغموض المحيطة ببرنامجها النووي. وفي هذا السياق، علّق الخبير النووي إدون ليمان من اتحاد العلماء المهتمين قائلاً إن “غياب الشفافية يدفع الجمهور إلى التخمين”، لافتًا إلى أن التصميم الحالي للمبنى قد يشير إلى مفاعل ذي شكل صندوقي لا يتضمن قبة احتواء، وهو أمر يزيد من صعوبة تأكيد طبيعة المنشأة بشكل قاطع.
الهدف من البناء: ترسانة جديدة أم صيانة الموجود؟
يرجح محللون أن الهدف من المشروع الجديد في ديمونا هو الحفاظ على القدرة الإنتاجية للمواد النووية الحساسة مثل البلوتونيوم والتريتيوم، اللتين تستخدمان في تصنيع أو تعزيز قوة الأسلحة النووية. ويعتبر هذا التوجه استمرارًا لنهج إسرائيل في المحافظة على تفوقها العسكري. وفي هذا السياق، صرح داريل كيمبال، مدير جمعية الحد من التسلح الأميركية، بأن “وجود مفاعل ماء ثقيل يعني أن إسرائيل تسعى إما لتجديد وقودها النووي المستخدم، أو لتصنيع مزيد من الرؤوس الحربية”، وهو ما يعكس قلقًا متزايدًا لدى المجتمع الدولي بشأن نوايا تل أبيب في توسيع ترسانتها النووية.
تاريخ سري يمتد لعقود
بدأت إسرائيل بناء مفاعل ديمونا أواخر الخمسينات، بدعم فرنسي، بعد سلسلة من الحروب مع الدول العربية. وفي ثمانينات القرن الماضي، سرّب الموظف السابق موردخاي فعنونو معلومات وصورًا تؤكد امتلاك إسرائيل لعشرات الرؤوس النووية.
كما أشارت تقديرات عام 2022 من “نشرة العلماء الذريين” إلى أن إسرائيل تمتلك نحو 90 رأسًا نوويًا. ولا تزال التكهنات قائمة حول نوايا تل أبيب في التوسعة أو التحديث، في ظل غياب التصريحات الرسمية.
يشير تصاعد النشاط في منشأة ديمونا إلى استمرار إسرائيل في تعزيز قدراتها النووية، سواء عبر تطوير مفاعل جديد أو بناء منشآت دعم لبرنامجها النووي غير المُعلن. وتظل هذه التحركات محط تساؤلات دولية، خاصة مع غياب الشفافية والرقابة، وتزامنها مع توترات إقليمية متصاعدة.