في استعراض غير مسبوق للقوة العسكرية، نظمت الصين عرضًا ضخمًا في ساحة تيانانمن بالعاصمة بكين، إحياءً للذكرى الثمانين لنهاية الحرب العالمية الثانية، وسط حضور قادة من روسيا وكوريا الشمالية ودول أخرى، وذلك في لحظة حساسة تحاول فيها بكين تعزيز نفوذها العالمي وإبراز دورها كقوة عسكرية وسياسية لا يمكن تجاهلها.
شي جين بينغ: “الشعب الصيني لا يخاف العنف ويعتمد على نفسه”
قبل انطلاق العرض العسكري، ألقى الرئيس الصيني شي جين بينغ خطابًا مؤثرًا، شدد فيه على أن بلاده أصبحت “قوية بما يكفي لرفض التنمّر الخارجي”، مضيفًا أن “الشعب الصيني لا يخاف العنف، ويعتمد على نفسه ويتمتع بالقوة”. كما أشاد شي بمساهمة المحاربين القدامى في مقاومة الغزو الياباني خلال الحرب، مؤكدًا أن “النهضة الصينية لا يمكن إيقافها، وأن السلام هو الخيار الذي يجب أن ينتصر لصالح الإنسانية”.
عرض أسلحة متقدمة: غواصات مسيّرة وصواريخ فرط صوتية
استعرض الجيش الصيني خلال العرض العسكري مجموعة متقدمة من الأسلحة، في استعراض واضح لقوته التكنولوجية المتنامية. من أبرز هذه الأسلحة الطائرة المسيّرة تحت الماء AJX002، التي تشبه الغواصات الصغيرة، وقد صممت للتنقل الذاتي في الأعماق، ما يعكس تطور قدرات الصين في الحروب البحرية غير المأهولة.
بالإضافة إلى ذلك، عرضت بكين صواريخ فرط صوتية موجهة خصيصًا لاستهداف السفن في عرض البحر، وهي من أبرز ما يثير قلق البحرية الأميركية، خاصة في المحيط الهادئ. كما تم الكشف عن الصاروخ الباليستي DF‑61، وهو صاروخ عابر للقارات قادر على حمل رؤوس نووية لمسافات طويلة، مما يعزز الردع النووي الصيني. وعلى صعيد العروض الجوية، حلّقت طائرات مقاتلة وقاذفات في السماء، بينما شكّلت المروحيات رقم “80” بأجسامها، في لفتة رمزية لإحياء ذكرى نهاية الحرب العالمية الثانية.
قادة روسيا وكوريا الشمالية في مقدمة الحضور
وقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون إلى جانب الرئيس الصيني شي جين بينغ على منصة الشرف، حيث صافحوا عددًا من المحاربين القدامى الذين تجاوز بعضهم سن المئة، في مشهد رمزي يجمع بين الماضي والحاضر. ويأتي حضورهم اللافت في لحظة تشهد تصاعدًا في التوترات الجيوسياسية، لا سيما بعد اجتماع ثلاثي سابق جمع شي وبوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، ما يعكس تقاربًا استراتيجيًا بين هذه القوى في مواجهة المحور الغربي.
ترامب ينتقد العرض ويطلب الاعتراف بالدور الأميركي
بالتزامن مع العرض، نشر الرئيس الأميركي دونالد ترامب تعليقًا لاذعًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تساءل فيه عمّا إذا كان شي سيعترف بمساهمة الجنود الأميركيين في الحرب ضد اليابان. كما وجه رسالة إلى بوتين وكيم قال فيها: “أبلغوهما تحياتي الحارّة، بينما تتآمرون ضد الولايات المتحدة الأميركية”.
تايوان ترد برسالة سلام: لا نحيي الذكرى بفوهات البنادق
من جهته، علق الرئيس التايواني ويليام لاي على الاستعراض العسكري الصيني قائلًا إن “السلام لا يُصنع بالقوة أو العدوان”، مؤكدًا أن تايوان “تُحيي الذكرى بإحياء ذكرى الشهداء والإيمان بالحرية والديمقراطية، لا بفوهات البنادق”.
الجيش الصيني يستعرض الولاء ويؤكد حماية السيادة
في مشهد احتفالي رمزي، استعرض شي جين بينغ صفوف القوات العسكرية عبر سيارة ليموزين سوداء مكشوفة، حيث حيّا الجنود وصفوف الآليات الحربية وهم يهتفون بشعارات موحدة مثل “نخدم الشعب”. واختتم خطابه بالتشديد على “دور الجيش الشعبي في حماية سيادة الصين ووحدة أراضيها”، في إشارة مباشرة إلى ملف تايوان.
الصين تحاول ملء فراغات القوة العالمية
في تحليل سياسي، اعتبر الخبير جيمس تشار من جامعة نانيانغ في سنغافورة أن الاضطراب في السياسة الأميركية يمنح الصين فرصة لفرض نفسها كـ”ضامن أمني عالمي”، خاصة في ظل فراغات دبلوماسية وعسكرية في عدة مناطق.
يظهر العرض العسكري أن الصين لا تكتفي بإحياء ذكرى تاريخية، بل تستثمر الحدث لتوجيه رسائل استراتيجية إلى العالم مفادها أن بكين أصبحت قوة عظمى لا يمكن تجاوزها، في ظل تغيّرات متسارعة في موازين القوى العالمية.