يشهد شرق المتوسط تحولات كبيرة في أسواق النفط والغاز الطبيعي خلال العقد الأخير. برزت مصر وإسرائيل كأكبر المنتجين الإقليميين، بينما تعمل قبرص ولبنان والأردن على تطوير قدراتها في الإنتاج والاستيراد. في المقابل، لا تدخل تركيا واليونان في هذا السياق لضعف اندماج بنيتهما التحتية مع باقي دول المنطقة.
اكتشافات الغاز الطبيعي ودور مصر وإسرائيل
شهد شرق المتوسط طفرة واضحة في إنتاج الغاز الطبيعي خلال العقد الأخير. وجاء ذلك نتيجة اكتشافات ضخمة غيرت موازين الطاقة في المنطقة. فقد عززت مصر مكانتها بقوة بعد دخول حقل ظهر إلى الخدمة عام 2017، وهو أكبر اكتشاف في تاريخها البحري، وفقًا لتقرير صادر عن موقع أوراسيا.
وفي الوقت نفسه، اعتمدت إسرائيل على تطوير حقول تمار وليفياثان وكاريش، التي مثلت نقطة تحول في قدرتها الإنتاجية وأعطتها دورًا أكبر في سوق الطاقة. أما قبرص فما تزال في طور تطوير حقولها البحرية، مثل أفروديت وكرونوس، والتي يُتوقع أن تبدأ بالإنتاج التجاري قبل نهاية العقد، ما سيضيف لاعبًا جديدًا إلى مشهد الغاز الإقليمي.
البنية التحتية للغاز وتحديات التصدير
تمتلك مصر وحدها قدرة تصدير الغاز الطبيعي المسال (LNG) عبر محطتي إدكو ودمياط. وتستخدم إسرائيل هذه المحطات لتصدير فائضها إلى أوروبا. أما قبرص فتخطط للربط مع مصر عبر خطوط أنابيب لنقل الغاز من حقولها البحرية. كما تعمل الأردن ولبنان على تطوير محطات الغاز المسال العائمة (FSRU) لتوفير مرونة في استيراد الغاز، بينما تعاني مصر من تزايد الاستهلاك المحلي ما يضطرها للاستيراد من إسرائيل أو عبر عقود LNG.
التأثيرات السياسية والأمنية
تواجه منطقة شرق المتوسط تحديات أمنية متواصلة تؤثر بشكل مباشر على استقرار إنتاج الغاز وتصديره. فقد أدت هجمات حماس في 2023، تلتها الهجمات الإيرانية، إلى توقف بعض الحقول الإسرائيلية بشكل مؤقت كإجراء احترازي. ومع استمرار التوترات الجيوسياسية، تظل تدفقات الغاز عرضة للمخاطر لفترات طويلة، مما يزيد من حالة عدم اليقين في السوق.
ومع ذلك، فإن التطورات الأخيرة تحمل فرصًا جديدة، إذ أسهم رفع بعض العقوبات الأميركية عن سوريا في مايو 2025 في فتح الباب أمام احتمال إحياء قطاع الطاقة السوري واستقطاب استثمارات خارجية قد تغير موازين المشهد الإقليمي.
جولات التراخيص والاستثمار
طرحت مصر خلال السنوات الأخيرة عدة جولات تراخيص للتنقيب عن الغاز في دلتا النيل والبحر المتوسط، كان آخرها برنامج برنامج الكتل المفتوحة للترخيص 2025، الذي يهدف إلى جذب استثمارات جديدة.
وفي المقابل، أطلقت إسرائيل الجولة الرابعة عام 2023، وتستعد لإطلاق جولة خامسة قبل نهاية 2025 لتعزيز إنتاجها. أما لبنان فقد اضطر إلى تمديد موعد التقديم للجولة الثالثة حتى نوفمبر 2025 نتيجة التوترات السياسية التي تشهدها المنطقة. وفي الوقت نفسه، لم تعلن قبرص والأردن عن أي جولات جديدة للتنقيب حتى الآن، مما يعكس اختلاف أولويات كل دولة في استغلال مواردها.
استهلاك وإنتاج النفط والسوائل
تُعد مصر أكبر منتج ومستهلك للسوائل النفطية في شرق المتوسط، إذ بلغ متوسط إنتاجها نحو 687 ألف برميل يوميًا، بينما وصل متوسط استهلاكها إلى 799 ألف برميل يوميًا. وفي المقابل، تستهلك إسرائيل والأردن ولبنان كميات أقل بكثير مقارنة بمصر، ما يعكس الفوارق في حجم الاقتصاد وعدد السكان. أما قبرص ولبنان، فلا يمتلكان أي إنتاج من السوائل النفطية، مما يجعلهما أكثر اعتمادًا على الاستيراد لتلبية احتياجاتهما.
مشاريع خطوط الأنابيب
يُعد خط الغاز العربي (AGP) أحد أهم مشاريع البنية التحتية في شرق المتوسط، حيث يربط مصر بكل من الأردن ولبنان وسوريا، ويُستخدم أيضًا لتصدير الغاز إلى إسرائيل. وفي الوقت نفسه، ما يزال مشروع EastMed، الهادف إلى نقل الغاز من إسرائيل وقبرص إلى أوروبا عبر اليونان، يواجه صعوبات تقنية وتمويلية تعرقل تنفيذه.
أما خط نيتسانا الذي يربط مصر بإسرائيل، فقد تأجل تشغيله حتى عام 2028 نتيجة خلافات بين الشركاء حول التكاليف وتقاسم السعة، مما يعكس تعقيدات المشهد الإقليمي في مشاريع الطاقة.
في النهاية، يظل شرق المتوسط منطقة استراتيجية للطاقة، حيث تتقاطع الفرص الاقتصادية مع التحديات السياسية والأمنية. ومع استمرار الاكتشافات وتطوير البنية التحتية، تحاول دول المنطقة تعزيز مكانتها في سوق الغاز العالمي، لكن استقرار الإمدادات سيظل رهناً بالتطورات الجيوسياسية.