شهد حي الصومرية، الواقع في ضواحي دمشق، مداهمات واسعة بين 27 و29 أغسطس، نفذتها قوات أمنية يقودها ضابط في وزارة الداخلية يُعرف باسم “أبو حذيفة”. كما طُلب من السكان خلال الحملة إبراز وثائق ملكية منازلهم، وسط اتهامات بأن الأرض سُلبت بشكل غير قانوني في عهد عائلة الأسد. المنازل التي لم يتمكن أصحابها من تقديم أوراق رسمية وُسمت بعلامة “O” سوداء كبيرة وأُرفقت بأوامر إخلاء، بينما رُسمت علامات “X” على منازل أخرى تعني السماح بالبقاء.
خلفية الحي
يعود تاريخ السيطرة على الصومرية إلى سبعينيات القرن الماضي، حين استولى رفعت الأسد على المنطقة، التي كانت تعرف سابقًا باسم “البلان”، وأعاد تسميتها باسم ابنه “سومر”. كما تم تخصيص المنطقة لعائلات عسكرية موالية للنظام، ما جعلها جزءًا من “الحزام العلوي” حول العاصمة، في محاولة لتعزيز قبضة السلطة.
أوامر الإخلاء والجدل القانوني
وثائق الإخلاء التي شاهدتها وكالة رويترز حملت توقيع “لجنة الإسكان العامة في الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية”. إلا أن سكانًا أكدوا أن حتى الوثائق الرسمية التي قدموها رفضت بحجة أنها تعود إلى عهد الأسد وبالتالي تعتبر غير صالحة. وقد قال أحد السكان “أعيش هنا منذ 40 عامًا، والدي اشترى البيت بعرق جبينه. لن أتركه بسهولة”.
تراجع أعداد السكان
قبل الحملة كان الحي يضم نحو 22 ألف نسمة، معظمهم من عائلات جنود سابقين في جيش الأسد. لكن خلال أسبوع واحد فقط انخفض العدد إلى ما يقارب 3 آلاف، وفقًا للجنة الأحياء المحلية. كما وصف المراسلون الذين زاروا المنطقة بأنها “مدينة أشباح”، منازل مظلمة وشوارع خالية إلا من قلة قليلة من المارة.
البعد السياسي والإنساني
الحكومة السورية الجديدة، التي تشكلت بعد سقوط بشار الأسد في ديسمبر الماضي، قالت إن ما جرى هو نتيجة عقود من “الاستيلاء غير العادل على الأراضي والفساد العقاري”. لكن خبراء حقوق الإنسان يرون أن ما حدث يعد “انتهاكًا صارخًا لحقوق السكان”، ويثير تساؤلات حول التزام السلطات بالمعايير الدولية.
مشاريع البنية التحتية
إلى جانب الأزمة الإنسانية، يرتبط الملف بمشروعات تنموية ضخمة. ففي أغسطس أعلنت الحكومة عن خطة لإنشاء خط مترو بقيمة 2 مليار دولار، يتضمن محطة رئيسية في حي الصومرية. هذا المشروع سبب مخاوف من أن عمليات الإخلاء مرتبطة بتهيئة الأرض للاستثمار العمراني، على حساب السكان الأصليين.
شهادات من السكان
قال أحد السكان إنه “تم اعتقالي في مبنى سكني حول إلى مركز شرطة وتعرضت للضرب”. وأوضح آخرون أن “حتى أوراقنا القانونية لم يتم الاعتراف بها”، في إشارة إلى غياب العدالة. ومع تزايد الضغوط الأمنية، أضافت شهادات متعددة أنّ “الوضع تركنا بلا خيار سوى الهروب خوفًا من العنف”. وهكذا تكشف التجارب الشخصية حجم الانتهاكات التي رافقت عملية الإخلاء، وتوضح كيف تحولت المداهمات إلى سبب مباشر لنزوح مئات العائلات.
في النهاية، إن تفريغ حي الصومرية يعكس تداخل التعقيدات الطائفية مع إرث عائلة الأسد الممتد لعقود، ويكشف عن أزمة ملكية عقارية تهدد آلاف العائلات. في الوقت نفسه، تبرز مشاريع البنية التحتية الجديدة كعامل إضافي يزيد من المخاوف حول استغلال الأراضي وإقصاء السكان.
القضية مرشحة لأن تظل محور نزاع داخلي ودولي طويل الأمد، بين وعود الحكومة الجديدة بالشفافية والعدالة، وواقع ميداني يشي بتهجير قسري وانتهاكات لحقوق الإنسان.