شهدت البصرة، المدينة التاريخية الواقعة عند التقاء دجلة والفرات، تراجعًا خطيرًا في بيئتها الزراعية. كان نحل العسل يزدهر بين بساتين النخيل على ضفاف شط العرب، منتجًا عسلاً عالي الجودة. لكن الجفاف وارتفاع ملوحة المياه دمرا مساحات واسعة من النخيل، وهددا وجود المناحل التي تعتمد على هذه البيئة الطبيعية.
تأثر مربو النحل بالأزمة
يكافح مربو النحل في البصرة للحفاظ على تقاليد عمرها قرون في إنتاج العسل. ومع ارتفاع درجات الحرارة وتفاقم الجفاف، أصبحت المناحل في مواجهة تحديات قاتلة. يؤكد الدكتور محمود شاكر، أستاذ في جامعة البصرة، أن النحل يحتاج إلى مياه نظيفة للبقاء، لكن شح المياه وتلوثها بالملوحة يؤديان إلى نفوق أعداد كبيرة من النحل.
تراجع إنتاج العسل بشكل كبير
كان إنتاج البصرة من العسل يبلغ 30 طنًا سنويًا، لكنه تراجع إلى 12 طنًا خلال السنوات الخمس الماضية، مع توقعات بانخفاضه إلى 6 أطنان فقط هذا الموسم. تضررت أكثر من 150 منحلًا من أصل 263، وفقد المربون نحو 2000 خلية. تراجع أعداد النخيل من 16 مليون نخلة إلى أقل من 3 ملايين ضاعف الأزمة، حيث يعتمد النحل على أزهار النخيل في غذائه.

الأزمة تتفاقم بسبب الحروب والمناخ
عانت البصرة من عقود من الصراعات، بدءًا من الحرب العراقية الإيرانية وصولاً إلى الغزو الأميركي وصعود تنظيم داعش. ومع انتهاء الحروب، برزت أزمة جديدة أشد خطورة: أزمة المياه. السدود المقامة في دول الجوار، خصوصًا تركيا، خفضت تدفقات دجلة والفرات، فيما تسللت مياه البحر المالحة من الخليج العربي إلى شط العرب، ما رفع الملوحة إلى مستويات غير مسبوقة.
تأثر البيئة والتنوع الحيوي
لم يتوقف الضرر عند النحل فقط؛ بل شهدت المستنقعات الجنوبية نفوقًا جماعيًا للحيوانات والبرمائيات بسبب الملوحة والجفاف. كما تراجعت جودة ثمار التمر في مناطق مثل أبو الخصيب، حيث أصبحت أصغر وأقل إنتاجية. هذا الانهيار البيئي يهدد الأمن الغذائي والاقتصاد المحلي المعتمد على النخيل والعسل معًا.
سكان البصرة يواجهون أزمة مياه الشرب
لا يقتصر تأثير الأزمة على الزراعة والنحل، بل يطال السكان أيضًا. تعتمد البلديات على محطات تحلية وصهاريج لتوفير المياه الصالحة للشرب. منظمة اليونيسف أشارت إلى تدخلات عاجلة تشمل تركيب مضخات ودعم المدارس والمجتمعات المتضررة لتخفيف حدة الأزمة.
دورًا إضافيًا للنفط والتغير المناخي
تستنزف مشاريع النفط في الجنوب كميات ضخمة من المياه، ما يفاقم الجفاف في الأهوار التاريخية مثل هور الحويزة. ومع تغير المناخ، تتوقع الدراسات أن تنخفض معدلات الأمطار وتزداد الحرارة بمعدل درجتين مئويتين بحلول منتصف القرن، ما سيضاعف الضغوط على النظام البيئي.
الجفاف يهدد مستقبل تربية النحل
يتوقع خبراء الزراعة أن استمرار أزمة المياه سيقود إلى توقف كامل لإنتاج العسل في بعض مناطق البصرة خلال عام واحد فقط إذا لم يتم إيجاد حلول عاجلة. ارتفاع درجات الحرارة إلى أكثر من 50 درجة مئوية في الصيف، إلى جانب تراجع المساحات الخضراء، يضع مستقبل تربية النحل في خطر كبير.