يكسر الرئيس السوري أحمد الشرع حاجز الغياب الطويل ويصعد إلى منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة للمرة الأولى منذ نحو ستين عاماً. شهدت مدن سورية تجمعات جماهيرية أمام شاشات عملاقة لمتابعة الخطاب، وسط أجواء احتفالية رفرفت خلالها الأعلام الوطنية.
إرث عقود من الحكم
يشير الشرع في خطابه إلى أن سوريا “تستعيد مكانتها بين الأمم” بعد عقود من الديكتاتورية التي أزهقت أرواح مليون إنسان وخلّفت مئات آلاف المعتقلين. آخر رئيس سوري تحدث أمام الأمم المتحدة كان نور الدين الأتاسي عام 1967، بعد حرب الأيام الستة وفقدان الجولان الذي ضمته إسرائيل عام 1981.
سقوط نظام الأسد
انهار حكم عائلة الأسد المستمر منذ 1970 في ديسمبر الماضي، إثر هجوم عسكري قاده الشرع أنهى 54 عاماً من السلطة الاستبدادية. سقوط بشار الأسد شكّل نقطة تحول في الحرب الأهلية الممتدة منذ 14 عاماً.
موقف من إسرائيل والمفاوضات
هاجم الشرع السياسات الإسرائيلية، مؤكداً أنها تهدد استقرار المنطقة. وأعلن استمرار المفاوضات للتوصل إلى اتفاق أمني يعيد الالتزام باتفاق فك الاشتباك لعام 1974، معرباً عن أمله في انسحاب القوات الإسرائيلية. في المقابل، شدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على أن أي اتفاق يجب أن يضمن أمن إسرائيل والطائفة الدرزية.
تحديات داخلية طائفية
سعى الشرع منذ توليه السلطة إلى ترسيخ التعايش، إلا أن البلاد شهدت موجات عنف طائفي أودت بحياة المئات. كما وُجهت اتهامات لعناصر من القوات الموالية للحكومة الجديدة بارتكاب انتهاكات ضد مدنيين من الأقليات في السويداء والساحل. وأكد الشرع أن الدولة سمحت للأمم المتحدة بالتحقيق، متعهداً بمحاسبة كل من تلطخت يداه بدماء السوريين.
الحرب على المخدرات
كشف الشرع عن تدمير مصانع “الكبتاغون” التي اعتمد عليها النظام السابق لتمويل أنشطته. هذه الصناعة التي قدّرت بمليارات الدولارات سنوياً، جرى تفكيكها ضمن حملة أوسع للقضاء على تجارة المخدرات غير المشروعة.
ملف العقوبات الغربية
دعا الشرع الدول الغربية إلى رفع العقوبات المفروضة منذ عهد الأسد، مؤكداً أنها تعيق تعافي السوريين. وكان قد التقى الرئيس الأميركي دونالد ترامب في السعودية، حيث أُعلن عن رفع جزء كبير من العقوبات، بينما تبقى العقوبات الأشد بحاجة إلى موافقة الكونغرس الأميركي.
تفاعل الشارع السوري والشتات
في دمشق، احتشد الآلاف في ساحة الأمويين احتفالاً بالخطاب. أما في نيويورك، فقد انقسم السوريون إلى مظاهرات متقابلة أمام مقر الأمم المتحدة. رفع المؤيدون “علم الثورة” بثلاث نجوم، فيما لوّح المعارضون بالعلم الدرزي، وتبادل الطرفان الهتافات والاتهامات.
يعكس خطاب الرئيس السوري أحمد الشرع في الأمم المتحدة لحظة فاصلة في تاريخ سوريا الحديث، إذ يمثل بداية مرحلة جديدة بعد عقود من العزلة والصراع. وبين آمال الداخل في الاستقرار وعيون الخارج المترقبة لمستقبل العلاقات، يبقى التحدي الأكبر هو تحويل هذه اللحظة الرمزية إلى خطوات عملية تعيد لسوريا مكانتها وتخفف معاناة شعبها.