أقرّ البرلمان الإيراني رسميًا مشروع قانون لإعادة تسعير العملة الوطنية من خلال حذف أربعة أصفار من الريال الإيراني، في خطوة تهدف إلى تبسيط المعاملات المالية والمحاسبية التي تعقّدت بسبب التضخم المستمر.
وجاءت الموافقة النهائية بعد تصويت حاسم في البرلمان بـ 144 صوتًا مؤيدًا مقابل 108 معارضين، مع 3 أصوات امتنعت عن التصويت من أصل 262 نائبًا، وذلك عقب تجاوز اعتراضات مجلس صيانة الدستور الذي كان قد أوقف المشروع في مراحل سابقة لأسباب فنية وتشريعية.
تفاصيل الخطة الجديدة والجدول الزمني للتنفيذ
أوضح شمس الدين حسين، رئيس لجنة الاقتصاد في البرلمان، أن العملة الرسمية ستظل الريال، وأن البنك المركزي الإيراني سيمنح مهلة تصل إلى عامين كحد أقصى للتحضير الفني والإداري لهذا التحول. وتلي مرحلة الإعداد فترة انتقالية تمتد ثلاث سنوات، يسمح خلالها بتداول العملات القديمة والجديدة بالتوازي لتفادي إرباك الأسواق والمواطنين.
كما نص القانون على أن يقدم البنك المركزي اللوائح التنفيذية خلال ثلاثة أشهر من اعتماد القانون تمهيدًا للبدء الرسمي في تطبيق الخطة.
شكل العملة الجديدة ووحداتها
بحسب الخطة الجديدة، سيُعتبر أن 10,000 ريال من العملة القديمة تعادل ريالًا جديدًا واحدًا. كما ستُقسم العملة الجديدة إلى 100 وحدة فرعية تُعرف باسم “قران”، وهو اسم تاريخي للعملة الإيرانية أعيد إحياؤه في إطار إعادة هيكلة النظام النقدي.
وتهدف هذه الخطوة إلى تسهيل العمليات اليومية، خاصة في الفواتير البنكية، المعاملات التجارية، وحسابات الشركات الصغيرة والمتوسطة.
خلفية اقتصادية وضغوط متزايدة
تأتي هذه الخطوة في وقتٍ تجاوز فيه معدل التضخم السنوي 40٪ في سبتمبر 2025، وفق بيانات مركز الإحصاء الإيراني، بينما تراجعت قيمة الريال إلى أكثر من 1,150,000 ريال مقابل الدولار في السوق الحرة، مقارنة بـ 920,000 ريال في أغسطس الماضي.
وقد أدت هذه الظروف إلى صعوبة في التعامل بالأرقام الكبيرة في الفواتير والشيكات والمستندات الرسمية، ما دفع الحكومة إلى تسريع مشروع الإصلاح النقدي.
جدل داخل البرلمان حول فاعلية القرار
رغم تمرير القانون، لا يزال الجدل قائمًا حول مدى تأثير حذف الأصفار على استقرار الاقتصاد. كما حذر النائب حسين صمصامي من أن “هيبة العملة لا تُستعاد بمجرد إزالة الأصفار، بل عبر تعزيز الاقتصاد الحقيقي ودعم الإنتاج المحلي وكبح التضخم”.
ويرى عدد من الخبراء أن الخطوة رمزية أكثر من كونها إصلاحًا اقتصاديًا فعليًا، وأنها قد تساعد فقط في تسهيل المحاسبة، لكنها لا تغير القيمة الشرائية الفعلية للريال ما لم تنفذ إصلاحات هيكلية أوسع.
تجارب دولية مماثلة
شهدت دول عدة إجراءات مشابهة في مواجهة التضخم، أبرزها فنزويلا التي أزالت ستة أصفار من عملتها مؤخرًا، وتركيا التي حذفت ستة أصفار عام 2005. لكن أغلب هذه التجارب أظهرت أن حذف الأصفار لا يكفي بمفرده لوقف تدهور العملة ما لم تُعزّز السياسات الاقتصادية والإنتاج المحلي. كما يؤكد محللون أن نجاح التجربة الإيرانية يعتمد على القدرة على ضبط الإنفاق الحكومي، وزيادة الصادرات غير النفطية، وتحسين ثقة المستثمرين بالنظام المالي.
حملات توعية وإجراءات مصاحبة
أعلن البنك المركزي الإيراني عن حملات توعية إعلامية ومصرفية لتوضيح تفاصيل المرحلة الانتقالية، وكيفية التعامل مع الأسعار والفواتير الجديدة. كما يجري العمل على تحديث أنظمة الدفع الإلكتروني والمصارف لتتوافق مع وحدات العملة الجديدة. وأكدت الحكومة أن هذه الإجراءات تهدف إلى تجنب ارتباك الأسواق وضمان انتقال سلس بين العملتين.
تقييم الخبراء للمستقبل الاقتصادي
يرى المحللون أن قرار حذف الأصفار يمثل إصلاحًا إداريًا مهمًا لكنه لن يحقق نتائج ملموسة على المدى القصير ما لم يصاحبه تحول اقتصادي شامل، لأن استقرار سعر الصرف وتعزيز القوة الشرائية للمواطنين يتطلبان إجراءات موازية تشمل تقليل التضخم، تشجيع الإنتاج، وزيادة الشفافية في السياسة النقدية.
يمثل إقرار البرلمان الإيراني لقانون حذف الأصفار منعطفًا في السياسة النقدية للبلاد، وخطوة رمزية نحو تبسيط النظام المالي بعد سنوات من التضخم والضغوط الاقتصادية. لكن الخبراء يجمعون على أن القوة الحقيقية للعملة لا تبنى بالأرقام بل بالإصلاحات الاقتصادية المستدامة، التي يمكن أن تعيد الثقة بالريال وتفتح الباب أمام استقرار نقدي طويل الأمد.