كثفت روسيا خلال الأشهر الماضية هجماتها على شبكة السكك الحديدية الأوكرانية، مستخدمة طائرات مسيّرة متطورة قادرة على تنفيذ ضربات أكثر دقة واستهداف مواقع حيوية للبنية التحتية. وتعد هذه الهجمات جزءًا من استراتيجية موسكو لإضعاف القدرات اللوجستية الأوكرانية وتعطيل خطوط الإمداد التجاري والعسكري.
ضربات دقيقة في محطة شُوستكا
استهدفت طائرات روسية مسيّرة قبل أيام محطة شُوستكا الواقعة في شمال شرقي أوكرانيا، مما أسفر عن مقتل رجل يبلغ من العمر 71 عامًا وإصابة ثمانية آخرين، إلى جانب تدمير عربات قطار بالكامل بفعل النيران والشظايا. وقد وقع الهجوم على بعد نحو 70 كيلومترًا من الحدود الروسية، بعدما ضربت طائرتان مفخختان قطارين متتاليين في وقت قصير، في تصعيد جديد للهجمات الجوية على خطوط النقل الحيوية.
أهداف استراتيجية وراء التصعيد
أوضح المدير التنفيذي لشركة السكك الحديدية الأوكرانية أوليكساندر بيرتسوفسكي أن روسيا كثّفت ضرباتها خلال الأشهر الثلاثة الماضية بهدف زعزعة استقرار المناطق الحدودية وقطع الاتصال عن السكان. وأضاف أن الطائرات المسيّرة الروسية أصبحت تستهدف القاطرات مباشرة بعد تطوير أنظمتها البصرية لتوجيه الضربات بدقة أكبر.
ارتفاع ملحوظ في وتيرة الهجمات
تضاعف عدد الهجمات الروسية على السكك الحديدية منذ منتصف الصيف الحالي، لتصل إلى نحو ثلاث هجمات أسبوعيًا مقارنة بهجمة واحدة أسبوعيًا خلال العام الأول من الغزو الروسي في 2022. ووفقًا لنائب رئيس الوزراء الأوكراني أوليكسي كوليبا، شهدت أوكرانيا أكثر من 300 هجوم على منشآت السكك الحديدية منذ أغسطس، أي بمعدل يقارب عشر هجمات أسبوعيًا.
تشكل السكك الحديدية الأوكرانية شريانًا اقتصاديًا رئيسيًا، إذ تنقل عبرها أكثر من 63% من البضائع و37% من حركة الركاب، بحسب هيئة الإحصاء الوطنية، مما يجعلها هدفًا استراتيجيًا لضرب القدرات الاقتصادية والعسكرية للبلاد.
تطور روسي في تقنيات الطائرات المسيّرة
أشار الخبير العسكري الأوكراني سيرهي بيسكريستنوف إلى أن القوات الروسية أدخلت تحسينات على طائراتها المسيّرة عبر تزويدها بكاميرات عالية الدقة ووحدات اتصال لاسلكية تتيح تعديل المسار أثناء الطيران. كما تمكن هذه التقنيات المشغلين الروس من تتبع الأهداف الحية ومهاجمتها بدقة متناهية تصل إلى عمق 200 كيلومتر داخل الأراضي الأوكرانية.
وأضاف بيسكريستنوف أن القاطرات تشكّل أهدافًا مفضلة للطائرات المسيّرة بسبب بطء حركتها وانتظام مساراتها، محذرًا من أن استمرار استهدافها قد يجعل السكك الحديدية غير قابلة للتشغيل رغم بقاء المسارات سليمة.
مسؤول في وزارة الدفاع الأوكرانية كشف أن قواته فحصت طائرة روسية من نوع Geran مزودة بكاميرا ومودم لاسلكي مدني، مشيرًا إلى أن موسكو تختبر حلولًا تقنية جديدة لتحديد مواقع الدفاعات الجوية الأوكرانية وتقييم الأضرار الميدانية بدقة.
فرق الإصلاح الأوكرانية تتحدى الدمار
رغم التصعيد، تبذل فرق السكك الحديدية الأوكرانية جهودًا مكثفة لإصلاح الأضرار وإعادة تشغيل القطارات بسرعة. وقال ماكسيم شيفتشوك، قائد فريق الإصلاح في كييف، إن العمال تمكنوا من إصلاح 12 مترًا من السكة خلال نصف يوم بعد تعرضها لضربة صاروخية مباشرة.
وتشير بيانات هيئة الإحصاء إلى انخفاض نقل البضائع بالسكك الحديدية بنسبة 11.7% منذ بداية العام، فيما تراجع عدد الركاب بنسبة 4.2%. غير أن الخبراء يرون أن تأثير هذه الهجمات ما يزال محدودًا بفضل سرعة الإصلاح وإعادة توجيه الخطوط.
إصرار على مواجهة التصعيد الروسي
يؤكد مسؤولو السكك الحديدية أن استمرار عمل القطارات رغم القصف يمثل رسالة صمود في وجه العدوان الروسي. وقال بيرتسوفسكي إن “من المهم أن نظهر للأعداء أن هذه الهجمات لن تحقق أهدافها”، مشيرًا إلى اعتزاز العاملين بقدرتهم على إبقاء حركة القطارات مستمرة في ظل التحديات الأمنية المتزايدة.
تواصل روسيا تصعيدها الممنهج ضد شبكة السكك الحديدية الأوكرانية، في محاولة واضحة لإضعاف القدرات اللوجستية والاقتصادية لكييف. ومع تطور تكنولوجيا الطائرات المسيّرة وزيادة دقتها، باتت البنية التحتية للنقل هدفًا مباشرًا في الحرب، ما ينذر بتداعيات طويلة المدى على حركة التجارة والإمدادات في البلاد.
في المقابل، تُظهر أوكرانيا قدرة لافتة على الصمود، بفضل جهود الإصلاح السريعة التي تُبقي القطارات قيد التشغيل رغم القصف والانقطاع المتكرر للخدمات. وبين تصعيد روسي متجدد وصمود أوكراني متواصل، تبدو معركة السكك الحديدية عنوانًا جديدًا لحربٍ تتجاوز الميدان العسكري إلى سباقٍ تقني واستراتيجي طويل الأمد.
