في زيارة رسمية وُصفت بالتاريخية، استقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اليوم الأربعاء نظيره السوري أحمد الشرع في الكرملين بالعاصمة الروسية موسكو، حيث عقد الجانبان مباحثات مطوّلة تناولت مستقبل العلاقات بين البلدين، والوجود العسكري الروسي في سوريا، وإعادة بناء الجيش السوري بعد سقوط نظام بشار الأسد.
بوتين يؤكد عمق العلاقات الروسية السورية
أشاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اللقاء بمتانة العلاقات بين موسكو ودمشق، مؤكدًا أن التعاون المشترك بين البلدين يعود لأكثر من 80 عامًا. وأشار بوتين إلى أن اللجنة المشتركة بين الجانبين ستُستأنف قريبًا لتفعيل مشاريع تنموية جديدة، موضحًا أن روسيا “مستعدة للتعاون الوثيق عبر وزارتي الخارجية في البلدين”.
كما اعتبر بوتين أن الانتخابات البرلمانية السورية الأخيرة تمثل “نجاحًا كبيرًا” سيساعد في تعزيز المشاركة السياسية وتوحيد القوى الوطنية.
الشرع: نعيد تعريف العلاقة مع روسيا
من جانبه، أكد الرئيس السوري أحمد الشرع أن بلاده تسعى إلى إعادة تعريف طبيعة العلاقات مع موسكو بما يتناسب مع واقع “سوريا الجديدة”. كما شدد الشرع على احترام الاتفاقيات السابقة مع روسيا، مع السعي لتطويرها بما يخدم المصالح المشتركة.
وقال في كلمته بالكرملين “نحاول أن نعرف بسوريا الجديدة في مختلف أنحاء العالم، وروسيا من الدول التي نعتبرها شريكًا استراتيجيًا”.
وفد رسمي رفيع المستوى يرافق الشرع
وصل الرئيس السوري إلى موسكو صباح الأربعاء برفقة وزير الخارجية أسعد الشيباني ووزير الدفاع مرهف أبو قصرة، إضافة إلى وفد اقتصادي وعسكري يضم مسؤولين في مجالات الطاقة والإعمار. وينظر إلى هذه الزيارة على أنها الأولى منذ تولي الشرع الحكم بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، ما يجعلها محطة محورية في إعادة تشكيل السياسة الخارجية السورية.
القواعد الروسية ومستقبل الأسد أبرز الملفات
كشف الكرملين أن المباحثات تناولت مستقبل القاعدتين الروسيتين في سوريا — قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية وقاعدة طرطوس البحرية على الساحل السوري. وأكدت مصادر دبلوماسية أن الشرع طلب ضمانات روسية بألا تتم إعادة تسليح فلول النظام السابق، مع ضرورة إشراك الحكومة السورية الجديدة في إدارة تلك القواعد ضمن اتفاقية جديدة.
وأضاف مصدر سوري أن الشرع سيطلب رسميًا من روسيا تسليم الرئيس المخلوع بشار الأسد الذي لجأ إلى الأراضي الروسية، بهدف محاكمته أمام القضاء السوري، مؤكدًا أن “هذه الخطوة ضرورية لإغلاق صفحة الماضي”.
التعاون الإقتصادي وإعادة الإعمار
بحسب التسريبات، ركز الشرع على أهمية الدعم الروسي لإعادة إعمار سوريا، خاصة في مجالات الطاقة والبنية التحتية والتعليم، وطلب من موسكو المساعدة في إعادة تأهيل الموانئ والمطارات والمناطق الصناعية المدمّرة. كما ناقش الجانبان سبل إطلاق مشاريع مشتركة في الزراعة والنقل والطاقة البديلة. ويرى مراقبون أن موسكو تسعى بدورها إلى تأمين مصالحها الاقتصادية في شرق المتوسط من خلال هذا التقارب الجديد.
مخرجات الزيارة وأبعادها السياسية
رغم عدم الإعلان عن مؤتمر صحفي مشترك، إلا أن الزيارة تعتبر مؤشرًا واضحًا على عودة التواصل الاستراتيجي بين موسكو ودمشق بعد سنوات من القطيعة. كما يرى خبراء أن روسيا تسعى لتثبيت نفوذها في المنطقة من خلال التعاون مع القيادة الجديدة في سوريا، بينما يحاول الشرع ضمان توازن العلاقات الدولية بين الشرق والغرب.
ويعتبر المراقبون أن اللقاء يعكس تحولًا في موازين القوى السورية، حيث تحاول الحكومة الجديدة استعادة الشرعية الدولية، مع الحفاظ على استقلال القرار الوطني.
خلفية سياسية: من الثورة إلى الشرع
تولى أحمد الشرع الحكم بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، عقب هجوم واسع شنّته فصائل المعارضة ودعم شعبي كبير. وفي فبراير 2025، ترأس الشرع مؤتمر الحوار الوطني السوري الذي مهّد لتشكيل حكومة انتقالية في مارس من العام نفسه، تضم ممثلين عن مختلف الأطياف السياسية. كما تعهّد الرئيس الجديد بإعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس العدالة والشفافية، والعمل على استعادة الاستقرار الداخلي والعلاقات الخارجية المتوازنة.
تبرز زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى موسكو مرحلة جديدة في العلاقات السورية – الروسية، بعد سنوات من التوتر والتبدلات العميقة في المشهد السياسي والعسكري داخل سوريا. فبين ملفات إعادة الإعمار ومستقبل الوجود العسكري الروسي ومسألة تسليم بشار الأسد، تبدو الزيارة اختبارًا حقيقيًا لقدرة الطرفين على بناء شراكة قائمة على المصالح المتبادلة لا التبعية.
ويجمع المراقبون على أن هذه الخطوة تمثل تحولًا استراتيجيًا في السياسة السورية الخارجية، ورسالة إلى العالم بأن دمشق الجديدة تحاول الانفتاح والحوار بدل العزلة. ومع ما تحمله الزيارة من رمزية سياسية ودلالات ميدانية، يظل السؤال المطروح: هل تنجح موسكو ودمشق في تحويل هذا اللقاء إلى بداية حقيقية لعهد جديد من الاستقرار والتنمية في المنطقة، أم ستظل الملفات العالقة حجر عثرة أمام بناء المستقبل المنشود؟
