اتفقت كل من باكستان وإدارة طالبان في أفغانستان على هدنة مؤقتة لمدة 48 ساعة تبدأ من الساعة السادسة مساءً بالتوقيت المحلي (1300 بتوقيت غرينتش) اليوم الأربعاء، وفقًا لبيان رسمي صادر عن وزارة الخارجية الباكستانية. وقد قالت الوزارة إن الجانبين سيبذلان «جهودًا صادقة من خلال الحوار» للوصول إلى حل إيجابي ومستدام للأزمة الحدودية المتصاعدة بين البلدين.
اندلاع اشتباكات عنيفة على الحدود
اندلعت صباح الأربعاء اشتباكات جديدة بين القوات الباكستانية والعناصر المسلحة التابعة لحكومة طالبان في منطقة كورّام بولاية خيبر بختون خوا شمال غربي باكستان. وأفادت مصادر أمنية باكستانية بأن القوات الأفغانية فتحت النار بشكل مفاجئ على موقع حدودي باكستاني، مما أدى إلى رد قوي بالمدفعية الثقيلة. وقد تسببت الاشتباكات في أضرار مادية جسيمة في المواقع العسكرية على الجانبين. كما تم إجلاء عشرات المدنيين من القرى القريبة من الحدود، خاصة في مدينة شامان الباكستانية التي شهدت قصفًا متبادلًا خلال الساعات الماضية.
الاتهامات المتبادلة بين الجانبين
اتهمت إدارة طالبان الحكومة الباكستانية باستغلال الأراضي الأفغانية لاستمرار العمليات العسكرية ضدها، وهو ما نفته باكستان بشدة، متهمة طالبان بامتداد الصراع داخل أراضيها. هذه الاتهامات المتبادلة تزيد من تعقيد الأزمة وتُعمّق توتر العلاقات بين الجارين.
غارات جوية باكستانية داخل الأراضي الأفغانية
ردت القوات الباكستانية بشن غارة جوية محدودة استهدفت موقعًا داخل إقليم قندهار في الجانب الأفغاني، بحسب مصادر من الجانبين. ولم تُعلن بعد حصيلة دقيقة للخسائر البشرية، غير أن التقارير الأولية تشير إلى وقوع عدد من القتلى في صفوف المسلحين. وأكدت باكستان أن الضربة جاءت ردًا على ما وصفته بـ«الاعتداءات المتكررة» من جانب عناصر مسلحة عبر الحدود.
تصريحات متضاربة حول أعداد الضحايا
تتضارب الروايات بين الجانبين بشأن عدد الضحايا. فقد أكدت مصادر أفغانية مقتل 58 جنديًا باكستانيًا خلال الأيام الماضية. في المقابل، أعلنت إسلام أباد أن خسائرها لم تتجاوز 23 جنديًا فقط، مشيرة إلى أنها تمكنت من قتل أكثر من 200 مقاتل من طالبان خلال عمليات الرد. ومع ذلك، يستمر كل طرف في اتهام الآخر بخرق السيادة وارتكاب استفزازات عسكرية تُفاقم التوتر وتُهدد بانفجار الموقف مجددًا على الحدود بين البلدين.
هدنة مؤقتة تمهد للحوار
أكدت وزارة الخارجية الباكستانية أن الهدنة جاءت بناءً على طلب من الجانب الأفغاني، وأن الهدف منها هو تهيئة المناخ للحوار السياسي والحد من التصعيد. وتأمل باكستان أن تكون الـ48 ساعة المقبلة نقطة انطلاق نحو تفاهم طويل الأمد، فيما لم تصدر طالبان حتى الآن تأكيدًا رسميًا حول تفاصيل الهدنة.
ويرى مراقبون أن هذه الخطوة قد تكون فرصة نادرة لخفض التوتر، لكنها قد تتحول أيضًا إلى استراحة مؤقتة لإعادة التموضع العسكري ما لم يتم استغلالها سياسيًا.
تحديات ما بعد الهدنة
يرى الخبراء أن التحدي الأكبر أمام باكستان وأفغانستان يكمن في تحويل الهدنة المؤقتة إلى اتفاق دائم ومستدام. يتطلب ذلك أولاً بناء آلية مشتركة للمراقبة الحدودية، تهدف إلى منع تكرار الاشتباكات التي تمس الأمن والاستقرار. كما تشمل التحديات تفعيل قنوات اتصال دبلوماسية مباشرة بين الجيشين، لتمكين التواصل الفوري وتقليل فرص التصعيد.
إضافة إلى ذلك، يعزز إعادة فتح المعابر التجارية المغلقة مثل تورخام وشامان الاقتصاد المحلي لكلا البلدين ويساعد على تخفيف التوتر التجاري. بجانب هذه الخطوات، يأتي التوافق على مكافحة الجماعات المسلحة العابرة للحدود باعتباره ركيزة أساسية لتحقيق الأمن والاستقرار.
ويرى المراقبون أن أي فشل في تنفيذ هذه الإجراءات قد يؤدي إلى عودة القتال بشكل أشد عنفًا، لا سيما في المناطق القبلية الحساسة التي تشكل بؤرة للتوترات التاريخية والمحلية. لذلك، فإن استمرار الجهود الدبلوماسية والتنسيق الأمني بين الطرفين ضروريان للحفاظ على الهدوء والتقدم نحو حل شامل للنزاع.
ردود فعل دولية حذرة
رحبت الأمم المتحدة وعدة عواصم إقليمية بالاتفاق المؤقت، داعية الجانبين إلى ضبط النفس وفتح قنوات للحوار.
وقالت مصادر دبلوماسية إن «التهدئة الحالية تمثل اختبارًا حقيقيًا للنوايا»، مشيرة إلى أن استمرار الهدوء مرهون بمدى التزام طالبان بوقف إطلاق النار وامتناع باكستان عن أي عمليات عسكرية عبر الحدود.
مع بدء سريان وقف إطلاق النار مساء الأربعاء، تترقب المنطقة ما إذا كانت هذه الهدنة ستكون جسرًا للحل السياسي أم مجرد فاصل قصير في صراع مستمر منذ عقود.
ويرى مراقبون أن نجاح هذه المبادرة قد يعيد رسم معادلة الأمن الإقليمي، بينما فشلها قد يفتح الباب أمام تصعيد واسع النطاق بين دولتين نوويتين تتقاسمان حدودًا تمتد لأكثر من 2600 كيلومتر.
