أعلن Emirates NBD (الإمارات) عن نيته شراء حصة تبلغ 60 % من RBL Bank الهندي الخاص، مقابل نحو 3 مليارات دولار أمريكي. وقد جاء هذا الاتفاق عبر إصدار أسهم تفضيلية بقيمة 268.53 مليار روبية هندية (حوالي 3.05 مليار دولار). كما أوضح البنكان أن الصفقة تُعد أكبر استحواذ عابر للحدود ضمن قطاع الخدمات المالية في الهند حتى الآن.
تمويل ضخم لتعزيز رأس المال
عزز هذا التحرك الثقة في نمو قطاع البنوك الهندي، حيث صرّح الطرفان بأن هذا الاستثمار يعكس “ثقة بنك الإمارات الوطني في القطاع المالي سريع النمو في الهند” ويُبرز “الأهمية الاستراتيجية للهند ضمن ممرّ الهند-الشرق الأوسط-أوروبا الاقتصادي”.
ومن جهتها، أعربت الجهة التنظيمية الهندية (Reserve Bank of India) عن تأييدها المبدئي، علماً بأن الهند تسمح باستثمار أجنبي مباشر يصل إلى 74 % في البنوك الخاصة، لكن بموجب شروط لأي كيان أجنبي لامتلاك أكثر من 15 % إلا بعد الحصول على استثناء تنظيمي.
RBL Bank… من مؤسسة محلية إلى عملاق مالي بدعم إماراتي
حتى مارس 2025، كان بنك RBL يمتلك أصولاً بقيمة 1.46 تريليون روبية هندية (حوالي 16.61 مليار دولار) ما يجعله في المرتبة 13 بين البنوك الخاصة الهندية التي يبلغ عددها 21 بنكاً. كما يخدم البنك أكثر من 15.17 مليون عميل من خلال شبكة مكونة من 562 فرعاً في 28 ولاية وأقاليم هندية. وفقا للبيان الرسمي، فإن التمويل الجديد سيعمل على تعزيز قاعدة رأس المال (Tier-1) لدى RBL وتوفير رؤوس أموال للنمو طويل الأجل.
دوافع الصفقة… طموح إماراتي يلتقي بالحلم الهندي
وسع بنك الإمارات الوطني، الذي تبلغ أصوله نحو 297 مليار دولار أمريكي حتى نهاية يونيو، وجوده الدولي بثبات. ركّز البنك على الأسواق الناشئة التي تشهد نموًا سريعًا، خاصة الهند التي تُعد من أكثر الاقتصادات ديناميكية في آسيا. وفي هذا الإطار، جاء الاستثمار الجديد ليؤكد طموح البنك في تعزيز حضوره العالمي وتنويع محفظته الدولية.
في الوقت نفسه، شهد القطاع المالي الهندي قفزة لافتة في صفقات الاستحواذ العابرة للحدود. فقد بلغت قيمتها نحو 8 مليارات دولار بين يناير وسبتمبر 2025، أي بزيادة 127% عن العام الماضي. ويظهر هذا النمو تصاعد اهتمام المستثمرين العالميين بالسوق الهندية كمركز جاذب لرأس المال الأجنبي.
علاوة على ذلك، تتزامن الصفقة مع توجّه الحكومة الهندية نحو تعزيز الحوكمة المصرفية والكفاءة التشغيلية في البنوك الخاصة. ومن هنا، تعكس مشاركة بنك إماراتي بهذا الحجم ثقة متبادلة بين البلدين، وتجسّد رغبة حقيقية في بناء شراكة مالية طويلة الأمد تدعم الاستقرار والنمو الاقتصادي في الجانبين.
بين القوانين والتحديات… صفقة تنتظر الضوء الأخضر
رغم الموافقة المبدئية من البنك المركزي الهندي، يظل تنفيذ الصفقة رهين “الموافقات التنظيمية” النهائية وإجراءات العرض المفتوح لشراء حصص إضافية من المساهمين. وبحسب القوانين الهندية، فإن اقتناء أكثر من 25 % من الأسهم يتطلب عرضاً لشراء حتى 26 % إضافية من مساهمي التجزئة. وأشار البيان إلى أن بنك الإمارات سيتأكد من أن حصّته لا تتجاوز الحد الأقصى للاستثمار الأجنبي البالغ 74 %. كما أن التحدي الآخر يكمن في دمج عمليات بنك الإمارات في الهند مع شبكة RBL، بما يتماشى مع قواعد الدمج والتحويل إلى بنك محلي تابع.
تحالف جديد بين الخليج وآسيا
ستُسهم هذه الصفقة في تعميق العلاقات الاقتصادية بين الهند ودول الخليج، ضمن إطار الشراكة الإقليمية المتنامية بين الجانبين. وبذلك، تمهّد الطريق أمام تعاون مالي وتجاري أوسع يربط جنوب آسيا بالعالم العربي.
في المقابل، ستمنح هذه الخطوة بنك RBL قدرة أكبر على التوسع في قطاع التجزئة المصرفية، وتعزيز خدماته الرقمية بفضل الدعم المالي القوي من بنك الإمارات الوطني. ومع تدفق رأس المال الجديد، سيحصل البنك الهندي على دفعة قوية لمواكبة التحول التكنولوجي في الخدمات المصرفية.
ومن ناحية أخرى، ستفتح الصفقة أمام بنك الإمارات الوطني منصة استراتيجية للانطلاق في السوق الهندي سريع النمو، والاستفادة من شبكة فروع RBL المنتشرة وخبرتها المحلية الواسعة. وبذلك، يرسّخ البنك الإماراتي وجوده كمؤسسة مصرفية إقليمية ذات نفوذ عالمي.
وعلى المدى المتوسط، من المتوقع أن تشجع هذه الصفقة مزيدًا من الاستثمارات الأجنبية في القطاع المصرفي الهندي، مما يعزز المنافسة ويرفع من مستوى الكفاءة والابتكار في الخدمات المالية. هكذا، لا تبدو الصفقة مجرد استحواذ تجاري، بل نقطة تحول اقتصادية تعيد رسم خريطة التعاون المالي بين الشرق الأوسط وآسيا.
نجحت الصفقة بين بنك الإمارات الوطني وبنك RBL في وضع بصمة واضحة على خارطة الاستحواذات المصرفية العابرة للحدود. فهي ليست مجرد دفعة رأسمالية لبنك هندي، بل تمثل إشارة قوية إلى تحول بنية القطاع المالي الهندي وانفتاحه على رؤوس الأموال الأجنبية. كما أنها تشكل فرصة استراتيجية لبنك إماراتي يحاول توسيع حضوره خارج الخليج. ومع ترقب حصول الموافقات النهائية، يظل السؤال حول كيف سينعكس هذا التحول على عملاء كلا البنكين، وعلى المشهد المصرفي الهندي في السنوات المقبلة.




