في لحظة حرجة عاشتها شبه الجزيرة الإيبيرية، حيث غرقت أجزاء واسعة من إسبانيا والبرتغال وحتى جنوب فرنسا في ظلام مفاجئ، برز المغرب كفاعل محوري في إعادة التيار الكهربائي وإنقاذ المرافق الحيوية من الشلل. رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز لم يتردد في التعبير عن امتنانه، موجهاً الشكر للمغرب وفرنسا على دعمهما السريع والحاسم في هذه الأزمة الطارئة.
الرباط، التي ترتبط كهربائياً بإسبانيا منذ عام 1997 عبر خطوط بحرية تمر من مضيق جبل طارق، سارعت لتفعيل الإمدادات، حيث ضخت قرابة 38% من قدرتها الإنتاجية لتغذية الشبكة الإسبانية، بحسب صحيفة “إلباييس”. هذا التعاون ليس وليد اللحظة، بل هو امتداد لعلاقات استراتيجية طويلة بين البلدين، كما أشار البرلماني المغربي عبد العالي بروكي.
يمتلك المغرب قدرة إنتاجية فائضة بفضل مشاريعه الكبرى في الطاقة المتجددة، مثل محطة نور ورزازات، ويستفيد هو الآخر من الكهرباء الإسبانية في أوقات الذروة، ما يعزز من فعالية تبادل الطاقة بين الجارين. ويُنتظر أن يتم إطلاق خط كهربائي ثالث بين البلدين بحلول 2026، ما سيزيد من مرونة واستقرار الشبكة الإقليمية.
اللافت أن المغرب، رغم اتصاله المباشر بإسبانيا، لم يتأثر بالأزمة، بفضل الاعتماد على التيار الكهربائي المستمر، ونظام حماية يمنع انتقال الأعطال. وقد أتاحت هذه الأزمة فرصة جديدة لتأكيد أهمية الربط الكهربائي الإقليمي، خاصة مع استعدادات تنظيم مونديال 2030 في المغرب وإسبانيا والبرتغال.
في المحصلة، أظهرت هذه التجربة كيف يمكن للتعاون الطاقي أن يكون صمام أمان مشترك، يعزز الأمن الطاقي ويحول فائض الإنتاج إلى أداة استراتيجية في لحظات الحاجة القصوى.
تتجلى أهمية هذا الربط الإقليمي أيضاً في البعد الاقتصادي، حيث يُشكل تصدير الكهرباء مصدر دخل متزايد للمغرب، كما يعزز حضوره داخل السوق الأوروبية للطاقة، ويمنحه موقعاً استراتيجياً في خريطة أمن الطاقة بالقارة. فبفضل شبكته المتطورة ومشاريعه في الطاقة النظيفة، بات المغرب لاعباً فاعلاً في معادلات الاستقرار الكهربائي، ليس فقط كجسر عبور، بل كمزود فعلي وقت الأزمات.
وفي ظل التحولات المناخية والضغط المتزايد على مصادر الطاقة التقليدية، يبدو هذا التعاون الطاقي بين المغرب وجيرانه نموذجاً يُحتذى به، خاصة في مناطق العالم التي تسعى لبناء شبكات مترابطة قادرة على الصمود أمام الأزمات المفاجئة.
المصدر: وكالات