في ظل تراجع الدولار الأميركي بعد خفض وكالة “موديز” التصنيف الائتماني للولايات المتحدة، اهتزت الأسواق الإسرائيلية بقوة، ليس بسبب التقلبات الخارجية فحسب، بل لأن هذه الهزة المالية كشفت ما هو أعمق: اختلالات بنيوية تهدد استقرار الاقتصاد الإسرائيلي من الداخل.
تحركات العملات تكشف هشاشة داخلية
في مطلع الأسبوع، انخفض الدولار بنسبة 0.3% ليسجل 3.54 شيكلات، في حين ارتفع اليورو بنسبة 0.7% متجاوزًا حاجز 3.99 شيكلات. ورغم إعلان الحكومة الإسرائيلية عن نمو الناتج المحلي بنسبة 3.4%، وارتفاع نصيب الفرد بنسبة 2.2%، فإن الحقيقة على الأرض مختلفة تمامًا. إذ سجل معدل التضخم لشهر أبريل ارتفاعًا مفاجئًا بنسبة 1.1%، متجاوزًا التوقعات، وبلغ التضخم السنوي 3.6%، ما وضع بنك إسرائيل في مأزق حرج، وأجبره على تجميد سعر الفائدة عند 4.5% بدلًا من خفضه.
قيود نقدية وتوقعات اقتصادية حذرة
يرى خبراء في مؤسسة “ميطاف” أن البيئة التضخمية الحالية لا تتيح أي خفض في سعر الفائدة إلا إذا تباطأ الاستهلاك بشكل حاد، بينما تشير التقديرات المستقبلية إلى أن سعر الفائدة قد يتراجع تدريجيًا إلى حدود 4.0% خلال الاثني عشر شهرًا المقبلة، مع توقعات أخرى تصل إلى 3.9%. وبحسب محللين اقتصاديين، فإن أي قرار بخفض الفائدة لن يُتخذ قبل أغسطس، ما يعكس ضيق الخيارات المتاحة أمام صناع القرار النقدي في مواجهة الضغوط المتزايدة.
تداعيات التضخم على المعيشة
هذا التضخم انعكس مباشرة على معيشة المواطنين، حيث شهدت أسعار الإيجارات قفزة بلغت 4.2%، فيما يتوقع محللو “ليدر” ارتفاع أسعار العقارات بنسبة 4% خلال الفترة القادمة. وفي قطاع السفر، ساهمت تغييرات منهجية احتساب أسعار تذاكر الطيران في خلق صورة مشوشة حول معدلات التضخم، ما زاد من صعوبة تقدير الواقع الاقتصادي بدقة.
تأثير موسمي مرتقب على مؤشرات الأسعار
تشير التقديرات إلى أن أسعار الرحلات الخارجية ستنخفض في مايو بنسبة 12%. ويسهم هذا التراجع في رفع طفيف لمؤشر الأسعار، بنسبة لا تتجاوز 0.1%. أما في يونيو، فيحافظ المؤشر على استقراره، بينما يرتفع في يوليو بنسبة 0.5% بسبب عوامل موسمية. وتؤدي هذه التغيرات المتباينة إلى تعقيد تقدير التضخم الفعلي في السوق، مما يحد من قدرة المحللين على قياس الاتجاهات بدقة.
العوامل الخارجية تفاقم الضغوط الاقتصادية
أما خارجياً، فإن خفض التصنيف الأميركي ضغط على الدولار عالميًا، وأثار شكوكاً حول استدامة تمويل العجز الأميركي. كما ترتبط إسرائيل اقتصاديًا بالولايات المتحدة، وهذا الارتباط جعلها تواجه عاصفة من عدم اليقين من جهتين. فمن الخارج، ساهم ارتباك الأسواق الأميركية في زيادة الضغوط. ومن الداخل، أدت موجة التضخم وارتفاع كلفة المعيشة إلى تفاقم الأوضاع. ونتيجة لذلك، تجد إسرائيل نفسها أمام تحديات مركبة يصعب التعامل معها في ظل هذا السياق المزدوج.
تحذيرات من أزمة اقتصادية كامنة
ورغم أن الحكومة تواصل الترويج لأرقام النمو الاقتصادي، إلا أن الصورة على الأرض تبدو مختلفة. فقد وصفت صحيفة “كالكاليست” الواقع الاقتصادي الإسرائيلي بأنه يحمل في طياته أزمة كامنة. ومع استمرار التضخم دون رقابة فعالة، ترتفع احتمالات انفجار اقتصادي في الأفق. ويزداد الوضع تعقيدًا في ظل الأدوات النقدية المحدودة المتاحة، إضافة إلى التردد في اتخاذ قرارات حاسمة قد تُحدث فرقًا.