منذ اللحظة التي عاد فيها دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مطلع 2025، بدا واضحًا أن الاقتصاد الأميركي سيدخل في منعطف جديد، يتسم بالفوضى والارتجال. فبينما يقوم اقتصاد السوق على مبادئ الشفافية وتكافؤ الفرص، نسف ترامب هذه القواعد بسلسلة قرارات مفاجئة، أعادت رسم المشهد التجاري والمالي على نحو مقلق.
تصعيد جمركي يربك السوق العالمية
أبرز هذه القرارات تمثل في رفع الرسوم الجمركية بشكل دراماتيكي، خاصة على البضائع الصينية التي قفزت رسومها من 20% إلى 145%، مع تهديدات متكررة بإيصالها إلى 245%. هذا التصعيد العشوائي أربك الأسواق، وأفقد المستثمرين الثقة، وأشعل حربًا تجارية مفتوحة مع بكين.
وقد أشار خبراء اقتصاديون إلى أن هذه الإجراءات طُبقت دون إعداد مسبق، ما أدى إلى حالة من الشلل لدى المستوردين والمصدرين الأميركيين. حتى المنتجون المحليون لم ينجوا من تداعياتها، إذ يعتمدون على استيراد المواد الأولية، فارتفعت تكاليف الإنتاج وتراجعت هوامش الربح.
أزمة داخلية بين التضخم وجمود الفائدة
لكن الأثر لم يتوقف عند الحدود الدولية؛ داخل أميركا، واجه المستوردون والمنتجون أزمة مزدوجة: ارتفاع تكاليف المواد الأولية وتضخم متسارع. في أبريل 2025، ارتفع معدل التضخم إلى 0.2% شهريًا، ما دفع الاحتياطي الفدرالي لتجميد أسعار الفائدة، في خطوة أغضبت ترامب نفسه.
تأثير مباشر على قطاعي الإنتاج والعمل
كما أظهرت بيانات وزارة التجارة الأميركية انخفاضًا في إنتاج الصناعات التحويلية بنسبة 0.4% في أبريل، وهي أول مرة يسجل فيها القطاع هذا التراجع منذ ستة أشهر. وانخفض مؤشر أسعار المنتجين بنسبة 0.5%، وهي أعلى نسبة هبوط خلال خمس سنوات.
الآثار طالت أيضًا سوق العمل؛ إذ أضاف الاقتصاد الأميركي 62 ألف وظيفة فقط في أبريل، وهو أدنى رقم منذ يوليو 2024، وأقل بكثير من توقعات المحللين البالغة 115 ألف وظيفة.
ارتباك تفاوضي وتصريحات متضاربة
في خضم هذا الصراع، لم يكن فريق ترامب التفاوضي على وفاق مع تصريحاته؛ ففي حين كانت المفاوضات مع الصين جارية، غرّد ترامب ملوّحًا بفرض رسوم بنسبة 80%، قبل أن ينتهي الأمر باتفاق على 30%. مثل هذه التناقضات فضحت التخبط الواضح في إدارة الملف التجاري.
رد صيني حاسم وهدنة مشروطة
الصين، من جانبها، ردت بذكاء، مستخدمة سلاح المعادن النادرة، ومعلنة تجميدًا مؤقتًا لصفقات ضخمة مع شركات أميركية كبرى مثل “بوينغ”، ما اضطر واشنطن إلى إعلان “هدنة” تجارية مؤقتة.
مصير الهدنة وتحديات النظام العالمي
اليوم، يترقب العالم نهاية هذه الهدنة في يوليو 2025. فإما أن تُفتح صفحة جديدة من التفاهمات، أو يعود ترامب إلى ساحة المواجهة منفردًا، مجازفًا بعزل أميركا اقتصاديًا، ودافعًا النظام العالمي نحو تعددية قد تتجاوز النفوذ الأميركي ذاته.