أعلنت مؤسسة غزة الإنسانية، المدعومة من الحكومة الأميركية، عن تعيين القس الإنجيلي الأميركي جونى مور رئيسًا تنفيذيًا لها. ويُعرف مور بدعمه العلني لمقترح الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بشأن تولي الولايات المتحدة إدارة قطاع غزة اقتصاديًا وأمنيًا.
جاء هذا التعيين في وقتٍ أعلن فيه مسؤولون صحيون عن مقتل 27 شخصًا وإصابة أكثر من 150 خلال محاولتهم الوصول إلى نقطة توزيع مساعدات تتبع المؤسسة في جنوب غزة.
خلفية سياسية ودينية مثيرة للجدل
يُعرف مور بدعمه القوي لإسرائيل، وكان مستشارًا إنجيليًا في البيت الأبيض خلال ولاية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
وقد دعم علنًا اقتراح ترامب بأن تتولى واشنطن السيطرة على قطاع غزة وتطويره اقتصاديًا، وهو المقترح الذي اعتبرته جهات فلسطينية ودولية انحرافًا خطيرًا عن المبادئ الدولية للعمل الإنساني.
في فبراير الماضي، نشر مور عبر منصة “إكس” مقطع فيديو لتصريحات ترامب، وكتب “الولايات المتحدة ستتحمل المسؤولية الكاملة عن مستقبل غزة، وتمنح الجميع الأمل والمستقبل”.
تصريحات وتصعيد إعلامي من مور
بعد تعيينه، أكد مور أن مؤسسة غزة الإنسانية قادرة على إيصال كميات كبيرة من الغذاء للمحتاجين بكفاءة وأمان. وأعتبر أن كرامة السكان يجب أن تكون أولوية مطلقة. لكنه، في الوقت نفسه، وجه انتقادات حادة للأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية، متهمًا إياها بالتقاعس عن أداء واجبها. وفي منشور بتاريخ 26 مايو، دعا هذه الجهات إلى “تنظيف سجلها” والتعاون مع الولايات المتحدة. كما أشار إلى أن النماذج التقليدية في العمل الإنساني فشلت وأسهمت في تفاقم المعاناة.
سبعة ملايين وجبة رغم التحفظات الأممية
قالت المؤسسة إنها نجحت في توزيع نحو 7 ملايين وجبة في غزة خلال أسبوع من انطلاق عملياتها، مستخدمة مواقع توزيع وصفتها بـ”الآمنة”، معتمدة على شركات أمنية ولوجستية أميركية خاصة.
الأمم المتحدة ترفض التعاون: “تسييس وتجييش للمساعدات”
رفضت الأمم المتحدة والعديد من المنظمات الإغاثية التعاون مع المؤسسة الجديدة، متهمة إياها بأنها ليست جهة محايدة، وتستخدم المساعدات لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية. كما صرح مسؤول الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة، توم فليتشر، بأن مؤسسة غزة الإنسانية “تجعل من الغذاء ورقة مساومة”، مؤكدًا أن “الاحتياجات الإنسانية يجب ألا تكون مشروطة”.
هجوم دامي على مركز توزيع في رفح
جاء تعيين مور بعد مجزرة ارتكبتها قوات الاحتلال قرب مركز توزيع مساعدات تديره المؤسسة في رفح جنوب غزة. وكانت قد أسفرت العملية عن استشهاد 27 فلسطينيًا وإصابة العشرات، ما أثار تنديدًا دوليًا واسعًا من الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.
ويأتي هذا الهجوم ضمن سلسلة غارات إسرائيلية استهدفت مراكز التوزيع التابعة مؤسسة غزة الإنسانية، في وقت يتزايد فيه القلق الدولي من عسكرة المساعدات الإنسانية.
إسرائيل تدعم النموذج الجديد وتتهم حماس
من جانبها، دعمت إسرائيل النموذج الجديد لتوزيع المساعدات، وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن بلاده “تتولى مسؤولية توزيع الغذاء في غزة”. وتتهم إسرائيل حركة حماس منذ سنوات بسرقة المساعدات، وهو ما تنفيه الحركة بشكل قاطع. بينما تتهم الأمم المتحدة إسرائيل والفوضى في غزة بعرقلة إيصال المساعدات بشكل آمن وفعّال.
تصريحات مثيرة للجدل من رئيس المؤسسة
كان مور قد زار إسرائيل بعد الهجوم الذي شنته حماس في أكتوبر 2023، وكتب: “لم أرَ رعبًا مماثلًا من قبل”. كما نشر لاحقًا فيديو بعنوان: “تعالوا زوروا غزة الجميلة”، في محاولة لتصوير القطاع كوجهة سياحية ممكنة لولا وجود حماس.
في منشور آخر، دعا مور الأمم المتحدة والمنظمات الأوروبية إلى “التعاون مع أميركا بدلًا من العناد”، متهمًا المؤسسات الإغاثية التقليدية بأنها “زادت الحرب سوءًا”.
جدل مستمر حول مستقبل المساعدات في غزة
في النهاية، يثير تعيين القس جوني مور لرئاسة مؤسسة غزة الإنسانية جدلًا واسعًا حول مستقبل المساعدات في القطاع. كما تواجه المؤسسة انتقادات دولية بسبب اعتمادها نموذجًا يوصف بأنه مسيس وعسكري الطابع. وفي المقابل، تؤكد المؤسسة أنها تنجح في إيصال الغذاء بشكل فعال إلى المحتاجين. في الوقت نفسه، تطالب جهات إنسانية بإبعاد العمل الإغاثي عن الحسابات السياسية. تعكس هذه التباينات واقعًا متوترًا، إذ تتصارع الرؤى بين من يسعى لإدارة جديدة للمساعدات ومن يتمسك بالحياد كضرورة إنسانية لا غنى عنها.