تنطلق هذا الأسبوع قمة الناتو في لاهاي وسط توترات غير مسبوقة، حيث يسعى الحلف لإرضاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب من خلال تبني هدف جديد وطموح في الإنفاق الدفاعي. لكن الضربات الأميركية الأخيرة ضد إيران تهدد بتغيير مسار القمة.
تركيز القمة: زيادة الإنفاق الدفاعي
تهدف قمة الناتو في لاهاي، التي تعقد على مدار يومين، إلى تحقيق أهداف استراتيجية متعددة. أولًا، تهدف القمة إلى إرضاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب من خلال التزام الدول الأعضاء بزيادة الإنفاق الدفاعي إلى 5٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يشكل قفزة كبيرة مقارنةً بالهدف السابق البالغ 2٪ فقط.
بالإضافة إلى ذلك، تهدف القمة إلى إرسال رسالة حازمة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مفادها أن الحلف ما زال موحّدًا وقادرًا على تعزيز قدراته الدفاعية لمواجهة أي تهديد محتمل من موسكو. كما يمكن أن يتضمن البيان الختامي تأكيدًا على هذا الهدف الجديد، مع التركيز على الاستثمارات في القوات والأسلحة، وكذلك البنية التحتية الأمنية مثل الجسور والموانئ وخطوط الأنابيب، ومجالات مثل الأمن السيبراني.
خلافات داخلية تهدد التوافق
رغم هذه الجهود، ظهرت بوادر انقسام. فقد أعلن رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز أن بلاده لن تلتزم بالهدف الجديد، رغم تصديقها على البيان الختامي. هذا الإعلان أربك الترتيبات التي قادها الأمين العام للناتو مارك روته.
الدور الأوكراني الهامشي
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لم يحصل على مقعد رسمي في جلسات القمة، بل تمت دعوته فقط إلى عشاء ما قبل القمة. ويعتقد أن ذلك يعود إلى العلاقة المتوترة بينه وبين ترامب.
إيران تلقي بظلالها على القمة
الضربات الجوية الأميركية على مواقع نووية إيرانية عطلت جدول القمة، وأدخلت عنصرًا من عدم اليقين. فالمراقبون يتوقعون أن تتوقف نتائج القمة على مدى رد إيران، ومدى انخراط القادة في نقاش علني مع ترامب حول تبعات هذه الضربات. إذا لم تسر الأمور كما هو مخطط لها، فقد تظهر الناتو بمظهر الضعف والانقسام، في وقت يرى فيه الأوروبيون روسيا كأكبر تهديد منذ الحرب الباردة.
خطة إنفاق دفاعي واسعة النطاق
تدعو الخطة الجديدة التي يناقشها الحلف إلى زيادة كبيرة في الإنفاق الدفاعي. وفقًا للخطة، ستُخصص 3.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي للدفاع المباشر، بما يشمل القوات والأسلحة. في المقابل، سيتم إنفاق 1.5٪ إضافية على استثمارات أمنية غير مباشرة، مثل تحديث الطرق والجسور والموانئ لتسهيل التحركات العسكرية، إلى جانب تعزيز حماية البنية التحتية الحيوية.
ومن جهة أخرى، من المتوقع أن تُطبّق هذه الزيادة في الإنفاق بشكل تدريجي على مدار عشر سنوات. وهذا يعني، بطبيعة الحال، أن الدول الأعضاء ستلتزم بتخصيص مئات المليارات من الدولارات الإضافية لتعزيز قدراتها الدفاعية مستقبلاً.
بحسب تقديرات الناتو، أنفقت الدول الأعضاء في العام الماضي حوالي 2.6٪ من إجمالي ناتجها المحلي على الدفاع، أي ما يعادل 1.3 تريليون دولار. الولايات المتحدة وحدها أنفقت نحو 818 مليار دولار من هذا المبلغ.
مطالبة أميركية بتقاسم الأعباء
كما تطالب واشنطن الأوروبيين منذ سنوات بتحمل مسؤولية أكبر في الدفاع عن قارتهم. الأوروبيون من جانبهم يعترفون بهذه المطالب، لكنهم يفضلون الانتقال التدريجي، خشية أن تخلق الفجوات الدفاعية فرصة لبوتين لاستغلالها. كما يخشى الأوروبيون من أن يقدم ترامب على تنفيذ تهديداته السابقة بعدم الدفاع عن الحلفاء الذين لا ينفقون بما يكفي.
تأكيد الالتزام الجماعي
تؤكد مسودة البيان الختامي لقمة الناتو التزام الدول الأعضاء مجددًا بمبدأ الدفاع الجماعي الوارد في البند الخامس من معاهدة واشنطن. وينص هذا البند على أن أي اعتداء على دولة عضو يُعد اعتداءً على الحلف بأكمله.
قمة بين الطموح والتهديد
قمة الناتو في لاهاي تقف على مفترق طرق بين تعزيز الدفاع الجماعي وتوحيد الصف، وبين مخاطر الانقسام بسبب إيران والضغوط الأميركية. ما سيحدث في القمة سيحدد إلى حد بعيد مستقبل الحلف في السنوات القادمة.